دلالة (الأجل والميقات) في القرآن الكريم
أ.م.د سهيل محمد حسين
أَجَلاً لإِنْهَاءِ الْتِزَامٍ. وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مُقَرَّرَةً بِالشَّرْعِ، أَمْ بِالْقَضَاءِ، أَمْ بِإِرَادَةِ الْمُلْتَزِمِ: فَرْدًا أَوْ أَكْثَرَ. وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا هِيَ أَنَّ التَّارِيخَ أَعَمُّ مِنَ الأْجَل:؛ لأِنَّهُ يَتَنَاوَل الْمُدَّةَ الْمَاضِيَةَ وَالْحَاضِرَةَ، وَالْمُسْتَقْبَلَةَ، وَالأْجَل لاَ يَتَنَاوَل إِلاَّ الْمُسْتَقْبَلَةَ.
الْمِيقَاتُ:- الْمِيقَاتُ فِي اللُّغَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الصِّحَاحِ: الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلْفِعْل وَالْمَوْضِعِ، وَجَاءَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ الْوَقْتُ، وَالْجَمْعُ مَوَاقِيتُ، وَقَدِ اُسْتُعِيرَ الْوَقْتُ لِلْمَكَانِ، وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ لِمَوَاضِعِ الإْحْرَامِ.
وَاصْطِلاَحًا: مَا قُدِّرَ فِيهِ عَمَلٌ مِنَ الأْعْمَال. سَوَاءٌ أَكَانَ زَمَنًا أَمْ مَكَانًا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّارِيخِ. حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ : قَدْ يَكُونُ التَّأْرِيخُ وَاجِبًا، إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْوُصُول إِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، كَتَوْرِيثٍ، وَقِصَاصٍ، وَقَبُول رِوَايَةٍ، وَتَنْفِيذِ عَهْدٍ، وَقَضَاءِ دَيْنٍ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ.
الأجل والميقات
والأَجَل : بحسب سياقه القرآني قد يكون :
1."الأجل هو الوقت الذي قدر الله تعالى فيه انقضاء الأشياء الكونية والشرعية، أو الموعد الذي حدده غاية لمعاملات العباد.
قال الله تعالى: ( مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ )" أي: المدّة المضروبة لحياة الإنسان فيقال : دنا أجله، عبارة عن دنوّ الموت. وأصله : استيفاء الأجل أي : مدّة الحياة.
2. وقت يحدد لإنتهاء الشيء ، وقوله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) الطلاق:2)) أي: انقضت عدتهنَّ.
3.الهلاك: "قال الله تعالى:( وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف 185، يعني هلاكهم."
4. "الأجل بمعنى العذاب قال الله تعالى:( إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ) نوح4.
والوَقْتُ: نهاية الزمان المفروض للعمل، ولهذا لا يكاد يقال إلَّا مقدّرا نحو قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء : 103] العين 5/ 199- وقت : الوقت : مقدار من الزمان ، وكلّ ما قدّرت له غاية أو حينا فهو موقّت. والميقات : مصدر الوقت ، والآخرة ميقات الخلق. ومواضع الإحرام مواقيت الحاجّ. والهلال ميقات الشهر. وقوله تعالى : {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} [المرسلات : 11].
والوقت : مقدار من الزمان مفروض لأمر ما ، وكلّ شيء قدّرت له حينا فقد وقّته توقيتا ، وكذلك ما قدّرت له غاية ، والجمع أوقات. والميقات : الوقت ، والجمع مواقيت. وقد استعير الوقت للمكان ، ومنه مواقيت الحجّ لمواضع الإحرام. ووقّت اللّه الصلاة توقيتا ، ووقتها يقتها من باب وعد : حدّد لها وقتا ، ثمّ قيل لكلّ شيء محدود : موقوت وموقّت.
أنّ الأصل الواحد في المادّة : هو زمان محدود ، بأيّ شيء كان ، بفعل أو حادثة أو جريان أو غيرها.
والوقت مصدر ثمّ يطلق على ذلك الزمان المحدود ، وهو مصداق لذلك المعنى المصدري. والتوقيت تفعيل ويدلّ على مبالغة وعلى أنّ النظر فيه الى جهة الوقوع والنسبة الى المفعول به.
{ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } [الحجر : 37، 38] سأل إبليس أن يطوّل حياته الى أن يبعث الخلق أي يختار رفعهم الى الحساب ومشاهدة نتائج الأعمال ، وهو يوم البعث والنشور.
وأجاب الربّ تعالى باستجابة مسؤوله الى وقت معلوم ، ولعلّه انتهاء الحياة الدنيا ، فانّ إبليس لا يستطيع أن يعمل عملا في البرزخ ، فانّ الهداية والإغواء إنّما يتحقّقان في عالم المادّة.
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف : 187]
الإرساء : الإثبات والاستقرار. وأيّان : سؤال عن زمان مستقبل في مورد التفخيم والتعظيم. والتجلية : الإظهار.
والظاهر أنّ المراد من الساعة : هو البعث والنشور وظهور عالم نتائج الأعمال وشهود الحساب والثواب والعقاب ، فانّ الموت مشهود لكلّ من أفراد الناس ، وظهوره وفعليّته قريب ومحقّق إجمالا.
وأمّا الساعة والقيامة الكبرى : فهي ممّا لا يعلم وقتها إلّا اللّه المتعال ، فعلم الساعة من العلوم الغيبيّة المختصّة باللّه عزّ وجلّ ، فيقول فيما بعد الآية :
وإمّا كلمة الميقات : قلنا في الوعد ، إنّ مفعالا صيغة مخصوصة من أوزان اسم الآلة ، كالمرصاد والميراث والمفتاح ، وتدلّ على آلة بها يستعان في العمل وبها يتحقّق الفعل في الخارج ، وهذه الوسيلة تكون مختلفة باختلاف الموارد والمصاديق.
ولا تنحصر الوسيلة في آلة مخصوصة معيّنة ، بل تصدق على كلّ شيء يتوسّل به الى تحقّق فعل أو أمر في الخارج ، كالميقات فانّه وسيلة لتحقّق وقت معيّن وزمان محدود في الخارج.
{فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [الأعراف : 142] . {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء : 38]. {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [الواقعة : 49، 50] . {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} [النبأ : 17] . { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف : 143] . {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة : 189] فهذه مواقيت يتوسّل بها الى تحقّق زمان منظور معيّن : ففي الآية الاولى والخامسة يستكشف به الى تحقّق زمان المناجاة والارتباط. وفي الثانية يدلّ على وصول زمان المقابلة بين موسى والسحرة. وفي الثالثة والرابعة دلالة على بلوغ زمان الحساب والجزاء. وفي السادسة دلالة الأهلة على وصول زمان المواعيد والمناسك للحجّ.
فهذه الأمور آلات ووسائل لتعرفة الأزمنة المعيّنة المنظورة ، وليست صيغة الميقات مصدرا أو دالّة على المكان والزمان.
وإنّما الاشتباه نشأ من جهة إطلاق الصيغة على مكان ، كما في مواقيت الإحرام : ولكن الحقّ أنّ الصيغة كما قلنا تدلّ على الآلة والوسيلة من أيّ شيء كان ، فالمكان المعهود في المورد آلة ووسيلة لبلوغ الزمان المنظور في الابتداء والشروع في المناسك ، فيلاحظ في الصيغة جهة الآليّة في البلوغ الى زمان منظور.
{ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } [النساء : 103] الكتاب بمعنى التثبيت وتقرير ما في النيّة خارجا ، وهو مصدر ويطلق على ما يكتب فيه مبالغة ، فانّ الملحوظ فيه هو الكتابة ، وقد تجلّى الكتابة في الخارج بصورة المكتوب. والموقوت : هو المحدود بوقت.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم.
(1) المصباح مادة: " أجل "، وانظر مصطلح (أجل) .
(2) الصحاح، والمصباح مادة: " وقت ".
(3) الكليات 4 / 306 ط دمشق.
(4) التحقيق في كلمات القرآن : ج13 ، ص185-189.