عمالة الأطفال والسعي إلى الحد من تفاقمها

د. أماني فارس أبو مرّة

إنّ مرحلة الطفولة من أهم مراحل حياة الطفل، فهي الأساس في بناء ذاته وشخصيته، حتى خصائصه الجسمية والعقلية، وكل ذلك يتأثر بالأوضاع المحيطة والبيئة التي يعيش فيها الطفل، بالإضافة إلى الأسرة ودورها في تكوين شخصيته. وإلى الرعاية في مختلف الجوانب سواء كانت نفسية أو معنوية أو مادية وتربوية، كما يتأثر بالعوامل البيولوجية والبيئية، لكن يظل التفاعل الاجتماعي هو من يلعب دورًا كبيرًا في التأثير على شخصية الطفل.

وظاهرة عمالة الأطفال التي تشارك في تهميش الطفولة وهضم أهم حقوقها،  نجدها في تفاقم وتزايد، وخاصة في البلدان العربية و في ظل الحروب والكوارث والأوبئة وما تخلفه ورائها من خراب، لا ينكر أنها  كانت متواجدة قبل ذلك أيضًا،  إلّا أنّ العوامل التي كانت تحفزّها وتساهم في انتسارها بشكل كبير، الضعف في الاقتصاد والتعليم واتباع بعض الأعراف الاجتماعية التي لا تهتم لأمر الطفولة ولا توليها أي رعاية.أمّا الآن كثرت أسبابها وتشعبت خاصة بعد أزمة كوفيد 19.

اطلالة على المفهوم والمعنى

عرّف محمد محمد بيومي خليل المتخصص في الصحة النفسية عمالة الأطفال  في كتابه "تنمية المفاهيم الاجتماعية للطفل العربي في عصر العولمة" بأنّها  "دخول الأطفال إلى سوق العمل ، بل والعمل الشاق إبان فترة طفولتهم ، بشكل يضر بصحتهم البدنية والنفسية والاجتماعية ويحرمهم من إشباع حاجات الطفولة"  حيث يمارس الطفل دون سن الثامنة عشرة من عمره، مختلف الأنشطة والأعمال، وكل ذلك في ظل ظروف صعبة وفي إطار يضر بصحتهم وبحياتهم وبنموهم الجسدي والعقلي ، فهو يحمّل الطفل أعباءً ثقيلة ، مما يؤثر على صحته ونموه البدني والذهني ويحرمه من التمتع بطفولته ويلحق أضرارا جسيمة في نفسيته وشخصيته.

حقائق واحصائيات صادمة

وعلى مستوى العالم هناك تسعة ملايين طفل معرضون لخطر الاضطرار إلى العمل بحلول نهاية عام 2022 بسبب جائحة كورونا.

وإذا ما أردنا التطرّق إلى بعض الإحصاىيات  في بعض البلدان العربية حول عمالة الأطفال نجد:

تشيرالإحصائيات في عام  2017 إن عدد الأطفال في الجزائر بلغ 9 ملايين و600 ألف طفل أي بنسبة 30 % من المجموع السكاني، حيث يمثّل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة نسبة 63 % ، فيما تتجاوز نسبة هؤلاء ممن تقل أعمارهم عن الخمس سنوات 20%.

وفي مصر بلغ عدد الأطفال  40.9 مليـــــون طفل (21.1 مليون ذكور بنسبة 51.6%، 19.8مليون اناث بنسبة 48.4%) وذلك فى منتصف 2021

وورد في تقرير المنظمة الدولية أيضاً أن حوالي 2.45 مليون طفل في سوريا، و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدارس، و40 في المائة منهم من الفتيات.

ووفقا لتقرير اليونيسف، خلال الفترة الواقعة بين آذار 2015 وشباط 2021، تم تجنيد أكثر من 3,600 طفل في اليمن ضمن القوات والجماعات المسلحة. وفي عام 2013 انخرط 17 في المائة من أطفال اليمن ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عام 3.1 مليون في المجموع في عمالة الأطفال.

ومن التقارير التي تبيّن نسب انخراط الأطفال في العمل، تقرير مشترك لمنظمة العمل الدولية واليونيسف قد أفاد ارتفاع عمالة الأطفال حول العالم إلى 160 مليون طفل،  أي بزيادة قدرها 8.4 مليون طفل خلال السنوات الأربع الماضية، بعد أن كان قد شهد انخفاضا في عمالة الأطفال بمقدار 94 مليون طفل بين عامي 2000 و2016.

ونظراً لخطورة هذه الظاهرة وتفاقمها في عام 2021 انطلقت كحدث افتراضي "السنة الدولية للقضاء على عمالة الأطفال" للتشجيع على اتخاذ الإجراءات التي من شأنها المساعدة على إنهاء عمالة الأطفال، وكان الهدف منها إنهاء عمالة الأطفال بحلول  عام 2025.

أسباب تفشّي الظاهرة

وإذا ما أردنا الوقوف على الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة نجد اختلافا في وجهات النظر حولها، إلى أن ّ معظم الدراسات حاولت حصر هذه الأسباب التي تتفاعل مع بعضها لتؤدي إلى نزول الأطفال في سن مبكرة وانخراطهم بسوق العمل، لنجد بدايةً أن هناك علاقة قوية بين عمل الاطفال وحالات النزاع والحروب،  التي تسبب نزوحًا سكانيًا وفقرًا بين الأسر ،  مما يدفع  بالأطفال إلى العمل لتأمين أبسط حقوقهم في العيش، فالأطفال هم الضحية الأولى في ظل ما يشهده العالم وخاصة العالم العربي من صراعات وحروب وتشنجات، وفقدان للأمن والاستقرار،  وهرولته باستمرار نحو عالمٍ مظلم مجهول. وخاصة أنّ معظم الأعمال التي يقوم بها الأطفال لاتناسب أعمارهم كبيع الأدوية وحبوب مخدرة، وتنظيف الشوارع والسيارات، واستغلالهم في الكثير من الأعمال الا أخلاقية التي فيها انتهاكًا للطفولة واعتداءً مباشرًا على حقوقها.

العوامل الاقتصادية: ويعد السبب الرئيسي والمتمثل بالفقر، فالفقير هو الذي يسعى جاهدًا لإطعام نفسه وإطعام أسرته، وتأمين حاجياتهم. فالحاجة المادية من أهم الأسباب التي تدفع بالأطفال إلى النزول للشوارع والعمل، وخ حتى التسول في كثير من الأحيان.

العوامل الاجتماعية والأسرية: الطفل هذا الكائن الاجتماعي مرتبط بمجتمع يؤثر عليه في مختلف النواحي، كما يساهم في بناء شخصيته فمن الضروري أن يحاط بوسط يساعد في تحقيق الأمان والاستقرار له،  لكي لا يفكر في الهروب والخروج والانخراط بالأعمال التي قد تؤدي إلى ضياعه وأذيته. وكذلك الأمر على صعيد الاسرة التي تلعب دورًا هامًا في تنشئة الأطفال تنشئةً اجتماعية، فالأسر التي لا تجيد التفاهم والنقاش هي أسر مفككة دون شك، فتغيب الموردة والرحمة من نفوسهم و بيوتهم وهذا ما يزعزع نفسية الطفل، ويشعره بالخوف والا أمان ، فيسعى إلى الذهاب للبحث عن الطمأنينة التي لم يجدها في أسرته وبالتالي السير في طرق ملتوية واللجوء إلى العمل في أعمال لا تتناسب مع أعمارهم.

العوامل التعليمية: التعليم هو من أقوى أساسيات بناء الفرد، ويبدأ من الأسرة من الوالدين والمناخ الذي يحققانه للطفل من أجل التعليم والثقافة في جو عائلي لطيف،  مما يحفز الطفل على العلم، ويزيد من رغبته في التعلّم والاجتهاد. فالطفل الذي يعيش في أسرة تقدّر  العلم وتسعى للحصول عليه تختلف عن الأسرة التي لا تعي أهميته ودوره، بالتالي تلجأ إلى العمل فقط لكسب قوتها وحاجاتها، وبدل من توجيه أطفالها نحو الدراسة، توجههم نحو  العمل للمساهمة في مساعدتها. إنّ الطفل شديد التأثر بوالديه، والمستوى التعليمي  له دور كبير في حياة الطفل والأسرة.

توصيات مهمة

لذلك ومن أهم التوصيات، وكون الوضع الاقتصادي له دور كبير في عمالة الأطفال، يجب  أن تتم متابعة الأسر الفقيرة، وتقديم المساعدة  لها، وإعالتها، كتخصيص مبلغ مالي شهريًا لها للتغلّب على الصعوبات التي تواجه الأسرة وبالتالي لا تدفع بأطفالها الى العمل.

السعي إلى إيقاف ظاهرة البطالة في المجتمعات من خلال وضع خطط من قبل المعنيين تساهم في الحد من البطالة.

القيام بحملات توعية تهدف إلى توعية الأسر لمخاطر عمالة الأطفال، وما يسببه لهم من مشاكل جسمية ونفسية،  بالإضافة إلى توعية الأطفال حول هذه المخاطر، وحول حقوقهم الأساسية وحقهم في التعليم أولًا،  لا ترك المدارس والذهاب للعمل.

سن القوانين التي تهدف إلى حماية الأطفال من العمل المبكر والمحاسبة ، والسعي الدائم لتطبيقها والتأكد من سيرها في مختلف المناطق لمنع عمالة الاطفال، كما ويجب تجاوز الأقول إلى الأفعال.

لعلنا نصل بتحقيق هذه التوصيات وتطبيقها إلى تجربة ناجحة في الحد من تفاقم هذه الظاهرة، لأنّ اطفال اليوم هم من يعوّل عليهم في بناء المستقبل، فيجب الاهتمام بهم ورعايتهم  للنهوض بأنفسهم وبالمجتمعات إلى أرفع المستويات، من خلال الحفاظ عليهم وتنمية عقولهم.

كما أنّ عمالة الأطفال تعد ظاهرة معقدة ومتعددة الأسباب، وواقعًا اجتماعيًا أصبح مفروضًا خاصة في بلداننا العربية، لأنّ الفرد العربي يعيش في أزمات وصعوبات على مختلف الأصعدة، لكن وبالرغم من ذلك لا بدّ من حث الجهود للقضاء على هذه الظاهرة التي تشكل خطرًا كبيرًا على الأطفال والمجتمعات، فهم ثروة الأمم في المستقبل، وهم الأمل الواعد لغدٍ أفضل ومستقبل مشرق.