التعليم والمستوى المعرفي ودورهما في التنمية الاقتصادية

د. أماني فارس أبو مرّة

العلم هو روح المجتمعات الحديثة وكما قال أفلاطون: "إذا أهمل إنسان التعليم، فإنه يمشي أعرج حتى نهاية حياته"، ويقول مانديلا:" التعليم هو السّلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم" فمن خلاله يُخلق مجتمع يتمتّع بالقدرة على التغيير الذاتي والاجتماعي والاقتصادي، وبالارتقاء إلى الأفضل. فالعلم والتكنولوجيا والابتكار تقوم جميعها بدور حاسم في التقدّم وبدور أساسي في كل هدف من أهداف التنمية على مختلف الأصعدة.

فلا يمكننا أن ننكر دور التعليم والمستوى العلمي والمعرفي للأفراد في تقدّم المجتمعات وتطورها، فهو الركيزة الأساسية وعمود الأساس الذي تبنى عليه الحضارات، ولا بدّ من جودة في التعليم لكي تنهض الشعوب وتتواصل ابتكاراتها.  ولا تتحقق هذه الجودة إلا بوجود الأبحاث العلمية الهادفة إلى تنمية العقل وحثه على التفكير، وبالتالي الابتكار وتقديم كل ما يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية،  كما وبات يعي الإنسان على مدار التاريخ ومنذ العصور الحجرية القديمة والعصور الحديثة أهمية التعلّم والمعرفة. ودور الاختراع في التطور والتقدّم والوصول إلى مراتب الرقي والارتقاء. وخاصّة في الألفية الثالثة حيث كان لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورًا كبيرًا في التّغيرات العميقة في الأسس التي تعتمد عليها  النظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سلوك الأفراد وبالتالي سلوك المجتمعات،  فالمستوى العلمي والمعرفي والبحث العلمي من أهم العوامل المؤثرة في عملية النمو.

ومن هنا يمكننا أن نتساءل ما هو تأثير العلم والمستوى المعرفي على النمو الاقتصادي؟ وما هو دور البحث العلمي والإبداع في هذا التقدّم؟ وما دور المؤسسات التربوية والتعليمية  الأكاديمية في توسيع الآفاق وخلق أفراد قادرين على الابتكار الصناعي؟

يتمثل الدور المحوري للتعليم في التنمية الاقتصادية كونه استثمارًا هذا ما قاله "ثيودر شولتز" الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، حيث وجد أن في التعليم، تفسير لعملية النمو، كما أشار "غاري بيكر"  في نظريته (رأس المال البشري) إلى أنّ للتعليم مردود، حيث تناول فيها دراسة لكيفية تشابه الاستثمار في تعليم الفرد وتدريبه على الاستثمارات التجارية في المعدات، وبالنسبة إلى أصحاب الاختصاصات العلمية الدقيقة في مجال التجارة والاقتصاد، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ضعف البحث العلمي وقلة إنتاجه، وضعف جودة التعليم يساهمان في قلة وعي الفرد وفهمه، وبالتالي لا يساهم في التنمية ، فإجراء البحوث هو عامل مهم في تفسير وفهم أنواع وأنماط التجارة الدولية. من هنا يمكننا أن نجد جوابًا لسؤال لماذا هناك دول تستلم الشؤون الاقتصادية وتكون قائدة فيها على خلاف غيرها من الدول كبلدننا العربية. والسبب يعود إلى اهتمامها برفع مستوى التعليم وجودته وتركيزها على الأبحاث العلمية البعيدة عن التكرار والتشابه، والبعيدة عن الوصف والقريبة من التحليل، خاصة أن البحث العلمي مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالمجتمع ومؤسساته، وهذا يعني أنّه انعكاسًا لمتطلباتها وحاجاتها  على أن لا يفتقر إلى القيمة التطبيقية.

كما ويمكننا اعتبار إجراء البحوث العلميّة  التطبيقيّة التي تخدم المجتمع مقياسا لتقدم الدول ونموها الاجتماعي والاقتصادي والتقني، وهذا يجعلها تتفوّق اقتصاديًا وعسكريًا وتكثر مساهماتها الثقافية والعلمية في الحضارة الإنسانيّة (سليمان،2011، ص3).

وبما أنّ المعرفة تمثل عنصرًا حاسمًا في تحديد نوعية الحياة التي يعيشها كل مجتمع، لذا فإنّ تفاوت النمو بين دول العالم لا يرجع فقط إلى الاختلاف في الثروات، بل يعود أيضًا إلى التفاوت في المخزون المعرفي، فضلًا عن القدرة على تعظيم الاستفادة بما لديها من المعرفة (سراج الدين، 2009، ص61)، ولأن الابتكار والتطور التكنولوجي من أهم أسباب التقدّم لا بدّ من تنمية ملكة الخيال أيضا لدى الأفراد، فالخيال هو منبع الابتكارات وكما قال أينشتاين: "الخيال أهم من المعرفة" فلا بدّ من إطلاق العنان له لأنّه مرتبط بالخلق والابتكار والتجديد والإبداع والتطور.

وبالتالي لابدّ من التشجيع على المعرفة ووضع خطط للتعليم وتوجيه الإمكانات نحو الاهتمام بالمعارف والعلوم والمساهمة في بناء مؤسسات له، مسؤولة عن تنميته في كل المجالات، التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية،  وتعميق دور العلم في واقعنا العربي، والأهم كيفيّة تسريبه إلى هذا الواقع والطرق الفعالة التي تساهم في وضع مداميك للعقلية العلمية والمعرفية بعيدًا من التقوقع على الذات، والاعتماد على ثقافة التلقين فقط.

وكون البحث العلمي وسيلة من وسائل نشر المعرفة وترسيخها فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمتطلبات التنمية في المجتمع وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي الذي يعتمد على مصادر رئيسية تتمثل بالموارد الطبيعية والموارد البشرية، ورأس المال المادي الذي يساهم في تمويل الاستثمارات التي بدورها تساهم في النمو بالإضافة إلى العامل المؤسسي.  فالنمو الاقتصادي يحد من ظاهرة الفقر وانخفاض في البطالة، ويدفع بعجلة التقدّم فيعيد تشكيل المجتمعات ويساهم في تطويرها في مختلف الجوانب، كما أنّه يساهم في انخفاض نسب الديون فيقلل من الدين العام للدول، وينعش الاقتصاد ويساهم في زيادة الدخل العام للدولة.

فنجاح التنمية الاقتصادية مرتبط ويتناسب تناسبًا طرديًا مع المستوى العلمي والمستويات العالية من التقدم في مجال المعرفة والتنمية التكنولوجية، فكلما كان الفرد ملمّا بالمعارف، ويملك مخزونًا معرفيًا مبنيًّا على البحث والتجريد والفهم العميق لها كلما ساهم بهذا المخزون في الابتكار والإدارة السليمة، وبالتالي تحقيق التنمية.

إنّ التعليم هو أقوى الأدوات التي تساهم في النمو الاقتصادي على المدى الطويل. ويزيد من إنتاجية الأفراد وإبداعهم ويعزز ريادة الأعمال والتقدم التكنولوجي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يلعب دورًا مهمًا للغاية في تأمين التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتحسين توزيع الدخل (الزرفي،2013، 39).

وعلى المؤسسات المسؤولة المساهمة في تعزيزه من خلال نقلها للمعارف و المعلومات بعد استيعابها جيدًا وقبل نقلها للأجيال وتمكينها، وذلك لا يعود بالمنفعة إلاّ إذا تمّ عبر ثقافة البحث والتساؤل والشك والتجريد، لا عبر ثقافة الحفظ والتلقين التي لا تساهم إلاّ بتدجين العقول وتراجع المجتمعات بدل تقدمها، فلا تخرّج عقول منفتحة مبدعة تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وعلى أصحاب الكفاءات العلمية والعقول التي يعول عليها الاهتمام في التخطيط والتنمية والعمل على الدراسة والتطبيق.

إذاً يوجد  أثر موجب للمستوى العلمي والمعرفي  والبحث العلمي على النمو الاقتصادي في الدول، وهذا يعني أنه لا بد من زيادة الانفاق على العلم و البحوث والتطوير وخاصة في الدول العربية لزيادة النمو الاقتصادي، والاهتمام بالأبحاث العلمية التي تفيد المجتمع وترفع من تطلعاته، وتزيد من تقدمه  وهذا ما أشار إليه أول الاقتصاديين (سولو عام 1957) في معادلته حيث  حدد أن الناتج يعتمد على رأس المال والعمل، ويعتمد أيضاً وبشكل كبير على العلم والتكنولوجيا. لذا لا بدّ من الاهتمام بالآتي:

التشجيع على العلم والمعرفة، وإيجاد خطة وطنية للبحوث العلمية، وتوجيهها بهدف خدمة قضايا التنمية، وتوفير تمويل لها. بالإضافة إلى حث الباحثين في مختلف الجامعات والمعاهد والمؤسسات البحثية على القيام بالبحوث وفق أولويات البحث العلمي في كل دولة، لحل المشاكل العملية في تلك الدول، وربط هذه البحوث بخطط التنمية، وتزويد الباحثين بالمهارات اللازمة والمواكِبة للعصر الراهن.

فالتعليم والمستوى المعرفي للفرد هما حجر الأساس في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، لأن العلم يعزّز المعرفة والثقافة وهو مرتبط بالتوعية، وبالتالي تعزيز الواقع التنموي، الذي يعد أحد أهم عناصر ارتقاء المجتمعات. ان تحقيق التنمية المستدامة لدولة لا يتحقق إلّا باستثمار رأس المال البشري.