تاريخ التعليم الجامعي في الدول العربية

البروفسور علي عبد فتوني/ لبنان

عرفت البلاد العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر نشاط الإرساليات الأجنبية وتسابقها في إنشاء المؤسسات التربوية، مما شكل الدوافع المباشرة لتأسيس مؤسسات التعليم العالي، حيث جاء تنظيم هذا التعليم في بداياته، صورة مدارس عليا أو كليات فنية أو أدبية، وكانت البداية الأولى في مصر خلال حكم محمد علي عندما تم إنشاء عدد من المعاهد والمدارس العليا مثل مدرسة الطب عام ١٨٢٧ .

وفي لبنان نشأ التعليم العالي، منذ سنة ١٨٦٦ عندما تأسست الكلية السورية الإنجيلية، (الجامعة الأميركية في بيروت)، مجهزة بأحدث الآلات والأجهزة الحديثة.

وبعد تأسيس الكلية السورية الإنجيلية، شعر اليسوعيون بضرورة فتح كلية للتعليم العالي، لتثقيف الإكليروس الكاثوليك لأن معارك الجدل الديني كانت قد إستعرت بين دخيل ووطني. لهذه الأسباب مجتمعة، رأى اليسوعيون ضرورة تأسيس مركز لهم في بيروت لكي يكون الإنطلاقة الجديدة لهم على مستوى التدريب الجامعي.

وفي سنة ١٨٧٥، نقل الآباء اليسوعيون مقر رهبنتهم من غزير الى بيروت، وقد وافق البابا سنة ١٨٨١، على تسمية مؤسستهم "جامعة القديس يوسف".

لقد جاء إنشاء الجامعات العربية متأخرا" بعد إنشاء المدارس العليا والكليات الفنية، ويكاد يكون النمط الذي أنشئت به الجامعات ضم كليتين أو أكثر كنواة للجامعة.

ولكن المحاولة الأولى لإنشاء جامعة عربية كانت في بداية القرن العشرين في مصر، عندما تنادى نفر من مفكري مصر وقادتها إلى إنشاء جامعة مصرية على غرار جامعات أوروبا. وقد نشأت " جامعة القاهرة " عام ١٩٠٨ كنتيجة حتمية لإشتداد الحركة الوطنية المصرية في موجتها الأولى.

وفي مطلع القرن العشرين أيضا" قويت الدعوة من القوى الوطنية في سوريا لإنشاء الجامعة السورية عام ١٩٢٣، وذلك بضم معهد الطب والحقوق ومتحف في دمشق. وحتى العام ١٩٥٠، بلغ عدد الجامعات في الدول العربية عشرا"، لكن بعد تلك السنة أخذ عدد الجامعات يتزايد، فظهر منها في عقد الخمسينات ثماني جامعات، وفي عقد الستينات أربع عشرة جامعة.

وبين ١٩٧١ و١٩٨٣ شهد العالم العربي ولادة ثمان وثلاثين جامعة. وقد وصل عدد مؤسسات التعليم العالي من الجامعات العربية حتى منتصف العام ١٩٨٧ ثلاث وثمانين جامعة موزعة على البلدان العربية على الشكل التالي: الأردن ٤، الإمارات ١، البحرين ٢، تونس ٣، الجزائر ٦، جيبوتي ١، السعودية ٨، السودان ٥، سوريا ٤، الصومال ١، العراق ٦، سلطنة عمان ١، فلسطين ٦، قطر ١، الكويت ١، لبنان ٥، ليبيا ٦، مصر ١٣، المغرب ٦، موريتانيا ١، اليمن ٢ .

ثم ظهرت في الوطن العربي خمس عشرة جامعة جديدة، (إحصاء ١٩٩٤) فأصبح عددها تسعاً وثمانين مؤسسة للدراسات الجامعية، وأكثرها يعد الطلاب في حقل الدراسات العليا، إذ أنها تمنح شهادة الدكتوراه.

وحول التوسع في التعليم الجامعي العالي، فالمستقبل يتطلب بكل تبعاته والأمن بكل ضروراته التوقف أمام التعليم الجامعي العالي، سيما أن الإهتمام به عالميا" بدأ في الستينات من القرن الماضي، فالإتجاه نحو التوسع في هذا المستوى من التعليم كانت له مبرراته القومية المرتبطة بالديمقراطية التي تتطلب إتاحة الفرص أمام كل راغب وقادر على الإلتحاق بهذه النوعية من التعليم والتي كانت لعقود طويلة متاحة لقلة من الناس.

إلا أن الأمر الآن أصبح عند حدود ديمقراطية التعليم، بل أن التغيرات الحديثة في العالم فرضت ضروراتها على التعليم بكل مؤسساته والذي أصبح، وبحق، ساحة المنافسة الحقيقية في العالم. ويحتل التعليم العالي حيزا" كبيرا" من الإهتمام نظرا" لإرتباطه الشديد بإنتاج المعرفة الجديدة وبمستوياتها المختلفة، وأيضا" نقلها للأجيال الجديدة والتي ستتحمل أمانة المستقبل وتبعاته.

تجدر الإشارة الى أن المعلومات المنشورة حول تأسيس الجامعات في الدول العربية وتطورها لا تدل على وجود معايير أو سياسة تحدد سقفاً لعدد الطلبة الذي تستوعبه كل جامعة. كما لا يوجد في تلك المعلومات أن هذه الجامعات العربية تعتمد سياسة محددة تربط بين الإمكانيات المتوافرة من أعضاء هيئة التدريس، ومباني ومختبرات ومرافق للتعليم العملي والمهني من جهة وبين عدد الطلاب في الجامعة من جهة أخرى.

وعند الحديث عن جامعات تأسست في البلاد العربية، وعن تسع وثمانين مؤسسة للدراسات الجامعية تختلف في العمر والمكان والدوافع والتي دعت إلى إنشائها، فمن الطبيعي أن يكون هناك تفاوت كبير بين عدد الطلاب المسجلين في كل جامعة. والأعداد المسجلة في كل جامعة في سنة دراسية ما لا تعكس بالضرورة إستيعاب تلك الجامعة من الطلاب. فقد تطورت أعداد الطلاب المسجلين في جامعة القاهرة على سبيل المثال من ٣٢ ألفاً في عام ١٩٥٧، أي بعد ٣٢عاماً من تأسيسها حتى وصل العدد الى حوالي مئة ألف عام ١٩٨٦ .

على الرغم من كل ذلك، نلاحظ أن عدد الطلاب في مختلف الجامعات يتفاوت من مجموع يقل عن ألف الى آخر يزيد عن مئة ألف. وقد وصل عدد الطلاب الى مجموع يقل عن خمسة آلاف في خمسة وثلاثين جامعة، ويزيد عن مئة ألف في ثلاث جامعات هي دمشق والقاهرة وعين شمس. وبصورة عامة إنتشرت الجامعات بأعداد كبيرة في جمهورية مصر العربية، أما الجامعات ذات الأعداد الصغيرة فلم يكن هناك قاعدة عامة لتوزيعها بين الدول العربية، إذ أن معظمها هي إما جامعات إقليمية أو انها حديثة التأسيس او متخصصة أو في دولة قليلة السكان.

وبلغ مجموع عدد الطلاب المسجلين في العام الدراسي (١٩٨٥-١٩٨٦)، حوالي مليون ونصف، وهو رقم لا يشمل الطلاب العرب الذين يدرسون في جامعات أجنبية خارج البلاد، كما لا يشمل الطلاب المسجلين في المعاهد التي تقدم برامج معادلة للدرجة الجامعية الأولى التي تبلغ مدتها أربع سنوات على الأقل.

إن أكبر نسبة عدد الطلاب الجامعيين نجده في الجامعات المصرية، وأكبر جامعة من حيث عدد طلابها هي جامعة القاهرة التي ضمت في السنة الدراسية ( ١٩٩١-١٩٩٢) ، مئة وثلاثة عشر ألفاً ، أم الأصغر من حيث عدد الطلاب ، فهي جوبا في السودان ، وتلمسان في الجزائر  "وجدة" في المملكة المغربية ، إذ يبلغ العدد فيها ٣٠٠٠ / ٤٠٠٠، وبعد جامعة القاهرة هناك جامعات دمشق وحلب والإسكندرية وعين شمس وقسنطينة والجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية وتونس  والتي تضم كل منها ما بين ٣٠٠٠٠  و٥٠٠٠٠ من الطلاب ( إحصاء ١٩٩١ - ١٩٩٢ ) ، ونجد ما بين عشرة آلاف وعشرين ألفا" من الطلاب في كل من جامعات الجزائر والكويت وبغداد وجامعة الملك سعود والرياض والأردنية واليرموك ( إربد) ، وجامعة بنغازي في ليبيا (إحصاء ١٩٩١-١٩٩٢).

لعل التوقف امام علاقة التعليم الجامعي بسوق العمل لفترة طويلة دفعت الى محاكمة التعليم الجامعي بإستمرار في الدول العربية. وإعتبار أن التوسع فيه لا ضرورة له بل أنه أحد أسباب البطالة بين الخريجين. وقد أدى هذا الى نشر كثير من الأوهام المرتبطة بالتعليم الجامعي والعالي والتي تحول أحياناً دون معالجة قضية التوسع فيه من زاوية واقعية وأمنية مرتبطة بالحاضر والمستقبل للدول العربية.

الجدير ذكره، أن التعليم الجامعي يلعب أدواراً مهمة في حياة الأمم والشعوب، فهو الذي يصنع حاضرها، ويرسم معالم مستقبلها. فالتعليم الجامعي، هو القيادة الفكرية للمجتمع، والقيّم على تراثه، وهو الذي ينمي الإنتماء الوطني، ويرسخ الوجدان القومي. التعليم الجامعي، هو الذي يعد للمجتمع أطره الإدارية، والفنية والعسكرية والمهنية، ويعالج قضاياه ومشكلاته، ويطور إمكاناته، ويكتشف خاماته ثرواته، والمسؤول عن توسيع آفاق المعرفة الإنسانية، قد أصبحت مؤسساته مراكز أساسية لخدمة المجتمع وإثراء حياته.