بين الرجولة والذكورة.. المعالِم والفروق الاجتماعية
الباحثة: غانيا درغام
تطور التكنلوجيا في العالم ومنهُ اتساع دائرة التواصل الاجتماعي الالكتروني عبر الدول أدى إلى تعرّف أسرع للمجتمعات على بعضها، ولأن في جميع المجتمعات توجد السلبيات والايجابيات فلابد من استقطاب الأمور الصحيحة بالنسبة لأصحاب العقول الواعية والمتزنة، أما بالنسبة لأصحاب الفكر المنغلق على التخلف والعادات السيئة فقد كان الاستقطاب سلبي وليس ايجابي، وهنا نخص بالتنويه إلى مفهوم الرجولة وتمييزها عن الذكورية التي أيضاً تأثرت بعوامل شخصية واجتماعية وعالمية عدّة.
منطلَق اجتماعي
وبالتطرق إلى هذا الموضوع نشير أن فحوى الطرح اجتماعي فقط، منه ننطلق كمثال على اختلاف العادات والتقاليد الاجتماعية بين المجتمعات الغربية والشرقية، والتي أيضاً تأثرت بها مفاهيم الرجولة، فمثلا في المجتمعات الغربية الأمر طبيعي في موضوع المساكنة، أما في المجتمعات الشرقية فموضوع المساكنة منبوذ ومرفوض اجتماعياً، ورغم التسويق له من بعض الجهات فهو خطأ اجتماعي كبير، ومن الظاهر حالياً عندما تناقش أحدهم ممن اتخذوا المساكنة مساراً في حياتهم أن هذا "عيب" اجتماعيا، يجيب أنه رجل ولا يعيبه شيء، ويتخذ من المجتمعات الغربية مثالاً يحتذي به رغم أنه يعيش في مجتمع شرقي محافظ، وإن سألته هل يقبل ان تعيش أخته بحالة المساكنة فهو يستنكر ولا يقبل، أيضاً إن طرحت عليه موضوع الزواج من الأنثى التي يعيش معها المساكنة فهو لا يقبل بها زوجة وأماً لأولاده لأنها معيبة بالنسبة له، لكن هو يحق له تحت شعار يردده "أنا رجل ولا يعيبني شيئاً"، متناسياً أن كل ما هو فيه ذكورية لا غير.
ليس موضوع المساكنة إلا مثالاً على الكثير من الممارسات الذكورية التي فقط تميز الذكر عن الأنثى، بل هناك الكثير من المواقف والسلوكيات، ومن أجل توضيح الفرق بين الذكر والرجل لا بد من تعريف الرجولة والتي جاء منها: "هي أن يكون الرجل في أفضل صفاته، وأن يحارب من أجل الحياة الفاضلة، والأخلاق، والشرف، والعز في كل مناحي الحياة، وأن يقوم بدوره كرجل بشكل كامل سواء كأب أو كأخ أو كزوج أو كصديق أو كمواطن.
الرجولة مجموعة صفات انسانية
وقد عرَّفتْ إلى مركز الاعلام الدولي في العراق، السيدة ربا محمد، الرجولة من وجهة نظرها بقولها: "الرجولة هي القوة الحقيقية التي تشعرها الأنثى في شخصية الرجل، والمستمدة من مجموعة صفات منها الشخصية الواثقة التي تقدِم على العمل بلا خوف وبإتقان مترافقان مع الخوف من الله في ضمير العمل ونتائجه، أيضاً الرجولة هي احتضان الرجل لعائلته بغض النظر عن موقعه فيها فأما أب او أخ أو ابن أو زوج حتى في حالة الصداقة الاجتماعية سواء صديق لرجل آخر أو لأنثى فإن الرجل يقف في السراء والضراء مع محيطه، فقط لأن دافع الرجولة اختلط مع الشهامة التي ترافق الرجولة دائما، أيضاً الرجل ليس بقساوة الشخصية وفرض الصعاب والاستكبار على الآخرين بل الرجولة هي الحنان المغمور بالأمان، هذا الأمان الذي يدفع ثمنه الرجل قيمته وقوته وقربه من الله في آن واحد".
عندما نتحدث عن الرجولة لابد من التنويه إلى معالمها، ومنها:
قوّة الشخصية: الرجل الحقيقي يتجه نحو ما يحب ويرغب ويراه صحيحاً، ولا يهتم بالقيام بالأشياء في سبيل إبهار الناس بل يقوم بها لنفسه بما أنّها لا تؤذي أحداً، فعلى سبيل المثال إذا اتّجه نحو العمل في مجال معين يعمل في هذا المجال لأنّه يحبّه لا للفت النظر.
الثقة بالنفس: تبدأ الرجولة من ثقة الرجل بنفسه وبقدراته العقلية وفهمه للحياة، حيث إن هذه الصفات تُغير حتى من طريقة مشيته فتجعله يمشي رافعاً لرأسه، فالرجل الواثق من نفسه لا يخشى مواجهة أي تحدي من تحديات الحياة ولا يسعى لجذب الآخرين لأنهم سينجذبون تلقائيّاً له ولشخصيّته الواثقة.
الإخلاص: الرجل الحقيقي لا يكذب ويعرف الجميع بأنه مخلص وأمين ويحبون أن يجلسوا معه وأن يتعاملوا معه، ولا يخجل الرجل الحقيقي من طلب النصيحة من الغير فهي لا تقلّل من ثقته بنفسه، وعادة ما يكون مخلصاً في الحب.
الاحترام واللطف: يعرف الرجل الحقيقي كيف يحترم ويعامل الآخرين من الكبار والصغار والأصدقاء، فتجده يمسك الأبواب مثلاً حتى يدخل الآخرين، وتراه يتخلّى عن مقعده ليجلس الآخرين، ويصافح الناس باحترام، ويحب ذويه ووالديه ويهتم بهم، ويتصدق ويعمل الخير دون أن يكون هدفه لفت الانتباه.
السيطرة على النفس: يتمالك الرجل الحقيقي أعصابه ويسيطر على نفسه في الخلافات والأوقات الصعبة، فتجدهُ يحاور ويناقش بدلاً من توجيه الإهانات أو الأحكام أو استعمال العنف مع الآخرين.
غير تقليدي: الرجل الحقيقي ينفّذ قرارته الشخصية ويقوم بعمل الأشياء التي يهتم بها ويحبها دون الاهتمام لنمطية أي شخص آخر، ما دامت قراراته لا تؤذي أحداً، كما أنّه يتحمل المسؤولية إذا أخطأ ويعترف بذلك، ولا يلقي اللوم على الآخرين لتبرئة نفسه.
الالتزام بالمسؤوليات: يعتبر الالتزام بالمسؤوليات من أهم صفات الرجولة، فالرجل الحقيقي لا يتهرب من الالتزامات، بل يواجه التّحديات العديدة التي يمر بها، ويستمتع بها، ولا يشكو من ثقلها عليه، والرجل الحقيقي يفتخر بثقة الآخرين فيه، واعتمادهم عليه، مما يزيد ذلك من ثقته بنفسه واعتزازه بها، فالرجل الحقيقي يعد قائداً، ومسؤولاَ في بيته، ويساعد في تربية الأطفال، وتلبية حاجيات الأسرة، كما يعد ناجحاً في علاقاته مع أصدقائه، ويقدم الدعم لهم، ويتواجد وقت حاجتهم إليه، وملتزماً في عمله، ومخلصاً له، ويتحمل المشاريع الصعبة، ويقوم بإنجازها بأفضل شكل.
الابتعاد عن الأقنعة والمثالية الزائفة: لا يحتاج الرجل الحقيقي للاختباء وراء الأقنعة في حياته، ولا يتظاهر بأنه شخصية كاملة، أو يحاول تقمص شخصية أخرى، فالرجل الحقيقي يمتلك الثقة بنفسه، ولا يحاول الظهور بصورة مثالية، وزائفة محاولاً إخفاء صراعاته الداخلية عن الآخرين، كما يتقبل الجوانب الضعيفة في شخصيته ويواجهها، ولا يخاف من إظهارها، بينما يستمر المخادعون، وضعيفو الشخصية في الاختباء وراء الاقنعة.
النضج الأخلاقي الكافي لاتخاذ قرارات مسؤولة تعد صنع القرارات، وتحمل المسؤولية اتجاهها: من أهم صفات الرجولة، فإن الرجل المثالي، والحقيقي لا يتسرع في اتخاذ قرار دون تفكير مسبق ودراسة له، ويعرف كيف يتخذ القرار ويعيش مع عواقبه، ويصححه في حال اكتشافه أنه قرار خاطئ، والرجل الحقيقي أيضاً يتحمل المسؤولية الكاملة عما يحدث في حياته، ويعمل بجد، و يبذل قصارى جهده لتغيير كل ما لا يعجبه حتى يجعل حياته تماماً كما يريدها.
التأثير الايجابي: إن الرجل الحقيقي هو الرجل الذي لا يهتم فقط بحياته، ولكنه أيضاً يهتم بحياة الناس من حوله، ويحب أن يترك أثراً في حياتهم، وهناك العديد من الطرق للتأثير على العالم المحيط، منها "المساهمة بدعم مشاريع خيرية، أو المساهمة من خلال مساعدة الناس على تحقيق أهدافهم من خلال توجيههم ودعمهم، وذلك بعد لجوئهم إليه إيماناً منهم بقدرته على توفير الحلول المناسبة والتصرف بحكمة".
وبالمقارنة بين الرجل والذكر لا بد من توضيح المقولة "إن كل رجل ذكر لكن ليس كل ذكر رجل"، فمنذ الصغر يتطلع الأطفال الذكور إلى الكبار ممن حولهم بشوق لنموهم إلى هذه المرحلة و اتباع صفات الرجولة، بالتالي أما يتأثرون بآبائهم أو بمن يعجبون بشخصيته من العائلة تطلعاً منهم أنه قوي وضخم وهذا يكون معنى الرجولة بالنسبة لهم، أو يتأثرون بأبطال أفلام أو مسلسلات ومشاهير يتابعوهم، وإن كان الأب في مرحلة طفولة أبنائه الذكور الأطفال مجرد ذكراً يتبع أساليب النفاق والكذب، أو تعنيف الأم وانعدام مسؤوليته بالحالة المادية تجاه المنزل والأسرة، فإن هذا ينعكس سلباً على النمو الشخصي للأطفال الذكور، فالمورثات من الآباء تأتي جسدية، لكن بالنسبة لمورثات الشخصية فهي تقمص أو تقليد العقل الباطن لما يراه ويعيشه، هنا يكبر الطفل بصفات شخصية مشابهة تماما لذكورية الأب وتختفي منه صفات الرجولة، وأما يعاند الطفل ما عانى منه سابقاً ويعمل بعكسه، فيعتمد على نفسه في بناء شخصيته التي في أغلب الأحيان أقرب ما تكون إلى الرجولة.
السيد أمير عباس، نوّه لموقع مركز الاعلام الدولي في العراق بقوله: " صفة الرجولة هي أن يكون الشخص قوي تجاه نفسه وتجاه الآخرين يواجه وحده كل ما يتعرض له ولا ينتظر أحداً، أيضاً يتحمل مسؤولية كلمته، ويكون شخص موثوق به يعتمد عليه محيطه، وأن يكون قادرا على حل جميع المواضيع التي تصادفه متبعا طريقة سهلة وصحيحة، ثقته كبيرة بنفسه، محبوب من محيطه الاجتماعي، ولا يكذب أو ينافق، وأن يكون أمين، أما الذكر فهو شخص فارغ لا يملك قاعدة نفسية أو شخصية، ويكون همّه المظاهر واللباس، أيضاً الذكر يتبع أساليب بالارتباط في علاقات عابرة متعددة في آن واحد، ثقافته تناقل الكلام والحديث عن الناس، ورزقه النصب والاحتيال والسرقة أيضاً، طبعا هذا الشخص لا يؤتمن على أي شيء، لأنه لا يتحمل المسؤولية".
من جانبه قال السيد يامن منصور، خلال حديث خاص لمركز الاعلام الدولي: "الرجل صدق وفعل، ويتصف بقلة الكلام، وشدة النخوة في مساعدة الآخرين ولا يؤذيهم، كما إن عزة الرجل بأهله ووالديه، فالرجل يكبر بأهله وليس بالمال، لأن المال لا يصنع رجل بل الرجل هو من يصنع المال، وأنوه أن الرجل يعتز بوالده الذي هو بالنسبة له الرجل الأول في حياته، فالابن يمر بمرحلتي تربية، الأسرة أولاً ثم المجتمع، فإن كانت صفات الرجولة لديه متأثرة بوالده صاحب الاخلاق الحميدة والكرامة والشرف، بالتالي إن كل ما يصادف الابن في مرحلة المراهقة من سلبيات يستطيع التغلب عليها وينبذها كصفات مكتسبة، أما الذكر فيختلف عن الرجل عندما يكون عكس الصفات التي تحدثت بها".
مفاهيم مغلوطة يجب تصحيحها
وكانت تحدثت الدكتورة عزة أحمد صيام، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة بنها في مصر عن الموضوع فقالت: "إن هناك بعض المفاهيم المغلوطة عن الرجولة ينبغي تصحيحها، فيما يخص دور الرجل تجاه الأسرة والمجتمع، وتجاه قضايا الانتماء الوطني، حتى يتم إعادة روح الشباب وتمكينهم ثقافيا واجتماعيا داخل المجتمع"، موضحة أن ذلك يتحقق من خلال وضع أطر جديدة في التعامل مع الشباب في ظل عمليات التحديث المعرفية، مع الوضع في الاعتبار المشكلات التي يواجهها الشباب، وخاصة فيما يتعلق بالتأهيل المهني والبحث عن وظيفة وحياة أفضل، لا بد من تأهيل الشباب نفسيا ومعنويا ووطنيا لمواجهة مشكلاتهم".
أيضاً أضافت صيام، أن المفاهيم المغلوطة عن الرجولة قد تؤدي إلى حدوث جرائم العنف والقتل "مفهوم الحق والقوة لازم يتغيروا"، مؤكدةً على أهمية تنمية مفهوم القناعة وإعمال العقل لدى الشباب".