واقع التّعليم في العالم العربي والتحدّيات التي تعرقل تقدّمه

د. اماني فارس ابو مرة

يُعتبر التعليم جوهريّ للوجود الإنساني وللتربية، فمن خلاله يكتسب الفرد المعارف الأساسيّة، ويطوّر مهاراته وتفكيره النقدي، كما ويساهم في تعزيز الثقة بالنّفس والاعتماد على الذّات وتمكينها وتنميتها، فهو يطلق العنان لشتى الفرص، ويعزّز المساواة بين الأفراد. ويعدُّ أيضاً حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المستنيرة، والمحرك الرئيسي للتنمية المستدامة.  كما قال نيلسون مانديلا: "التّعليم هو أفضل سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم".

وانطلاقًا من الحكمة الصينية  الشّهيرة التي تقول" لا تعطني سمكة لعشاء  هذه الليلة، لكن علّمني كيف أصطاد السمك لآكل مدى العمر". وضّحّ حبيب سروري في كتابه (لنتعلّم كيف نتعلّم 2019) أنّ هناك نوعين من المعارف. يكمن النوع الأوّل في أن يدرّس المرء المعارف ويقدّم له أشهى السّمك وأدسمه، والثاني في أن يدرّس اصطياد السمك: ماوراء المعارف، بفضلهما معًا، تنهض الشّعوب وتتواصل ابتكاراتها ورياداتها الحضارية، فمهمة التدريس تعليم الأولى بالطّبع، لكن الأعمق والأهم تجذير تعليم الثّانية، أي تعليم الطّالب اكتساب ما يسمّى العقلية العلميّة لا أن يتعلّم  كيف يتلقّن ويكرر ما يسمع، فعلى المدرسة أن تعلّمه كيف يكوّن رؤيته الخاصّة للحياة دون أيّ فرضيات مسبقة. بالمختصر أن نتعلّم كيف نتعلّم، و نتوجّه نحو تعلمّ كيفيّة تلقّي العلم. خاصّة في مجتمعاتنا العربيّة حيث يواجه التّعليم تحديّات كثيرة ومعقّدة نذكر منها:

1) نمطيّة التّعليم وتدنّي نوعيته، واعتماده على مناهج تقليديّة محليّة وضعيفة، ليست ذات طبيعة عمليّة ونزعة مستقبلية.

التّعليم في المدارس لا يقدّم شيئًا جديدًا، يدرّس فقط بعض المعلومات اليوميّة المفيدة،  باستثناء بعض المجالات إلّا أنّها تدّرس بطريقة قديمة لا تواكب العلم الحديث، وترتكز على أسس متخثّرة للتّعليم العربي، فلا تقدّم معارف للطالب عبر تشييد وتحديث بنيّة تحتيّة من المحاضرات، كما أنّها بعيدة كل البعد عن استخدام التكنولوجيا، وكشفت عن ذلك دراسة صادرة عن منظمة التعّاون الاقتصادي والتنمية، مؤكدةً وجود صورةٍ قاتمة لجودة قطاع التّعليم في دول عربية عدّة.

2). الاعتماد على الحفظ والتلقين، غياب العقلية العلميّة واغتيالها، والافتقار إلى الاهتمام بالأبحاث العلميّة.

حيث يمنع التساؤل الحر، والرّوح النقديّة وتُغرس ثقافة الغيب والخضوع، بينما نجد الدّول المتقدّمة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الأبحاث العلميةّ في تطوّرها وبناء حضارتها، وتنفق أموالًا طائلة عليها، حيث تنفق أمريكا 2.9% من دخلها الوطني على الأبحاث، وتنفق اليابان 2.8% ، أمّا العرب فينفقون على البحث العلمي 0.3% .

3). ضعف إعداد المعلّم وافتقاره إلى التدريب المهني التربوي وطرائق التّعليم وأصول التدريس، فالتدريب ينبغي أن يلازم التّعليم. إلى جانب سوء الإدارة وضياع الأهداف الذي يؤدي إلى انخفاض الرّوح المعنوية. فبرغم حجم الإنفاق على التّعليم المرتفع نسبيًّا من قبل الحكومات العربيّة (في سنة 2014 أنفقت 4,3% من الناتج الدّاخلي الخام أي ما يعادل 124,27 مليار دولار) لكن هذا المبلغ لم ينعكس إيجابًا على المنظومة التعليميّة، بينما نجد مجموعة دول الاتحاد الأوروبي وفي السّنة نفسها أنفقت (5.1 % من نتاجها المحلي الإجمالي أي ما يعادل 947.07 مليار دولار) بذلك تكون نسبة الإنفاق في الدّول العربيّة، تساوي 13.1% من مجموع ما أنفق عليه في الاتحاد الأوروبي في العام 2014.

4). الأميّة التي تضرب أرقاماً قياسيّة في مجتمعاتنا العربيّة، خاصّة لدى المرأة في ظل تهميشها.

 حيث بلغت نسبة الأميّة في مجمل الوطن العربي في سنة 2014  حوالي 19% من إجماليّ السّكان، وبلغ عدد الأميين نحو 96 مليون نسمة ( بين الذكور 25%، وبين الإناث 46%) وذلك وفق إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، كما ذكرت أنّ محو الأميّة في كامل العالم العربي لن يحصل قبل 2050. وأوضحت إحصائية لمنظمة (اليونسكو) أنّ حوالي 17% من سكّان العالم البالغين ما زالوا لا يعرفون القراءة والكتابة، وثلث هذه النّسبة من النساء، وأنّ حوالي 127 مليون شاب على مستوى العالم، لا يستطيعون القراءة والكتابة، من بينهم 60.7% من الفتيات، بينما هناك حوالي 67.4 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدارس. فالأمية هي العائق الأكبر أمام تحقيق التنمية الشاملة.

5). من المشاكل الخفيّة التي تواجه قطاع التّعليم ما يسمّى بـ"المنهج الخفي" الذي صاغه فيليب جاكسون (عام 1968)  في كتابه "الحياة في فصول دراسيّة" والذي تعود جذوره إلى عهد أفلاطون. يمكننا تعريفه بأنّه: تلك المعارف والقيم والأفكار والأنظمة التي يتعلّمها الطاّلب داخل المدرسة بدون تخطيط من المنظّرين، ويتشرّبها من خارج المنهاج الرّسمي المكتوب، نتيجة الاحتكاك بالأقران، أو نظام المدرسة، أو طرق التدريس المستخدمة، أو الفهم الذّاتي للمعرفة. للمنهج الخفي دورًا هاماً في  العمليّة التربويّة والتعليميّة أهم بكثير من المنهج الرّسمي في المدارس، ليس لأنّه يقدّم للتلاميذ خبرات إضافية إثرائية فحسب بل لأنّه يقدّم خبرات تربوية متعددّة ذات طابع (ديني، فكري، واجتماعي، وأخلاقي، وسلوكي)، ولكن تكمن المشكلة في غياب النقد الاجتماعي لواقع المدارس كما نجد الدراسات قليلة  جدًا في تحليل هذا المنهج.

وإذا أردنا الاطلاع على التصنيف العالمي في مختلف أرجاء العالم لعام (2022) والذي يرتكز على أسس كثيرة لقياس جودة التعليم نذكر منها:

1). التدريس والبيئة التعليمية وبيئة البحث في التعليم.

2). نقل المعرفة ومدى تأثيرها على المجتمع.

3). الاهتمام بالبحث العلمي في المؤسسات التعليمية في كلّ دولة.

نجد أنّ عدّة دول عربيّة قد خرجت من هذا التصنيف وهي (العراق، سوريا ، اليمن، السودان، الصومال) وقد جاء التصنيف عالميًا:  

(قطر في المرتبة الرّابعة، الإمارت العربيّة المتحدة في المرتبة التّاسعة، لبنان في المرتبة الخامسة والعشرين، البحرين في المرتبة الثّالثة والثلاثين، الأردن في المرتبة الخامسة والأربعين، المملكة العربيّة السعودية في المرتبة الرّابعة والخمسين، تونس في المرتبة الرّابعة والثمانين، الكويت في المرتبة السّابعة والتسعين، المغرب في المرتبة الواحدة بعد المئة، سلطنة عُمان في المرتبة السّابعة بعد المئة، الجزائر في المرتبة التاسعة عشر بعد المئة،  موريتانيا في المرتبة الثلاثين بعد المئة، ومصر في المرتبة التاسعة والثلاثين بعد المئة).

إنّ واقع عالمنا العربي يحتاج إلى التّضامن والتكافل بغية تقديم ما يلزم للنهوض بالتّعليم، وانتشاله من وحل الظّلمات الذي يقبع فيه.

بذلك نكون قد سلّطنا الضّوء على هذا الواقع المتأزّم للتعليم، وعلى بعض التّحديات التي تواجهه، وعلى الخلل الجوهري في علاقته مع التقدّم ومواكبة العلم الحديث وتطوّره، إضافة إلى بعض المعوّقات التي تقف في طريق خروجه من دائرة الظلام الفظيع، إلى دائرة التفوق والرّكب الحضاري.