إلى متى سيظلّ العنف لغةً للتواصل مع الآخر؟

أماني فارس ابو مرّة

إلى متى سيظلُّ الإنسان يفتك بأخيهِ الإنسان؟ إلى متى سيظلُّ العنف لغته، والقمع والقتل سلاحه؟ لماذا لا تزداد هذه الظاهرة في عالمنا إلّا تطورًا واستفحالًا؟ ما هو دور العلم و العقل في كبح هذه النّزعة الدموية التدميرية؟

من المؤلم جدًا ما نشاهده على شاشات التلفزيون، أو عند تصّفح مواقع التواصل الاجتماعي، من انتشارٍ كبيرٍ لظاهرة ِالعنف في العالم بشكل عام، وفي مجتمعاتنا العربيّة بشكلٍ خاصٍ والتي تعكس حالةً من التفسّخ الاجتماعي والانحدار الأخلاقي، ألا تكفينا الحروب بكافّة أشكالها التي جعلت من كوكبنا كوكبًا يهرول نحو الدّمار والاندثار؟ هل كان ينقصنا بعد أن يتفشّى العنف في البيوت، بين أفراد الأسرة الواحدة ليُكمل تفشيّه في المجتمعات بكثرة؟

إنّ العنف المجتمعي هو من أكثر التحديّات التي تشكّل خطرًا على الأفراد والأُسر والمجتمعات، وتهدّد حمايتهم كما أنّها ظاهرة متعدّدة الأسباب، ومتشابكة العلل، وهذا الإنسان الذي يسعى إلى حماية نفسه هو نفسه الإنسان الّذي يكون على أهبة الاستعداد للعنف والعدوانية .

العنف هو آلية يلجأ إليها الإنسان غير العقلاني، للتعبير عن غضبه وعن عدم تقبّله للآخر، وإنكارًا لوجوده، إضافة إلى القيام بعمل مؤذٍ رغمًا عن إرادته. وقد يكون العنف على شكلِ كلامٍ أو أفعالٍ أو أشكالٍ أخرى من أشكالِ التّعبير الذي يهدف إلى التجريح والتدمير.

من حوادث العنف المجتمعي والتي كثرت في مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة، جرائم العنف ضد المرأة، والّذي يعدّ شكلاً من أشكال العنف المجتمعي، كما أنّه يؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على استمرار المجتمع وتكوينه. كآخر حادثة حصلت في لبنان بعد سلسلة جرائم ضد المرأة، حادثة اللبنانية (هناء خضر) والتي توفّيت بسبب إقدام زوجها على حرقها وهي في الشّهر الخامس من الحمل، وسبب ذلك أنّها طلبت الطلاق، و قد كان في السنتين الماضيتين لا يتوقف عن تعنيفها وضربها وشتمها، وعندما هربت إلى بيت أهلها قام بإرجاعها تحت تهديد السّلاح.

هناء خضر التي عنّفت أيضًا من قِبل والدها وهي في سن الـ14سنة، عندما زوّجها بالإجبار والإكراه، فتزويج الفتاة بالإجبار والإكراه وفي سنٍّ قاصرٍ دون رضاها، هو شكلٌ من أشكالِ العنف أيضًا.

في مجتمعاتنا يستخدم بعض الذّكور العنف بجميع أشكاله ضد الإناث، نوعًا من إجبارهن على الانصياع والسّيطرة عليهنّ، واللافت في الموضوع  أنّ العنف الذي يمارس ضد الرّجال يكون في كثيرٍ من الأحيان، من قِبل شخص غريب عنه أو غير معروف، أمّا المرأة  فتلقى العنف على يد شريكها أو أحد أفراد أسرتها، ومن أسباب ذلك التمييز المجحف بين الجنسين، وانعدام المساواة بينهما، إضافة إلى جرائم الشرف التي تلي الاعتداء والعنف الجنسي والإكراه على الزواج من الجاني.

إنّ أسباب العنف كثيرةٌ، يأتي في مقدّمتها أولًا التنشئة الاجتماعية لما لها من دورٍ كبيرٍ في تحديد سلوكيّات الفرد. ففي مجتمعاتنا تكون التنشئة الاجتماعية للذكر على أنّه  الجنس الأقوى والمسيطر، وله الحق وحده في اتخاذ القرار، والاحترام يكون له وحده ،وهو من يُسمع رأيه ،كما أنّه المسؤول عن مراقبة المرأة ومحاسبتها.

أمّا الأنثى فتربّى على أنّها المخلوق الضّعيف، وعليها دائمًا الطّاعة والقبول، وعدم إبداء رأيها بل الاحتفاظ به لنفسها، فعليها أن تكون دائما خاضعة،  وعليها أن تكتفي بالقليل من العلم لأنّ مصيرها الزّواج ، فثقافة العنف، هي ثقافة ناتجة عن عدم تقّبّل الآخر ورفضه ومحاولة إقصاءه.

إضافةً إلى الفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية المتردية، والعنف الذي تمارسه الجهات المعنية بحق الأفراد بحرمانهم من أبسط حقوقهم في العيش، والتغاضي عن مشاكلهم وعن إيجاد الحلول لها. كلّ ذلك يسبّب أمراضًا نفسيّة للفرد، تدفعه في كثيرٍ من الأحيان  إلى القيام بأعمالٍ غير أخلاقيّة لسدّ حاجاته، وبالتّالي يصبح عدوانيًا عنيفًا ويصبّ غضبه على أفراد أسرته والمجتمع.

كما أنّ ازدياد نسبة الأميّة والتخلف تحدّ من التفكير السليم لدى الأفراد، وبالتّالي اكتساب ثقافة العنف.

وتكمن كيفيّة علاج هذه الظاهرة في إرساء ثقافة تقبّل الآخر ونبذ التشدّد،  وإعادة بناء الواقع وفق قيمٍ تنويريّة تقتل الرّؤية المتخلفة الموبوءة اتجاه العالم والآخر والتعايش مع الآخر.

كما أنّ عامل الأسرة والمدرسة والمجتمع مهم جدًا في تنشئة الفرد في مراحل حياته. ففي كثيرٍ من الأحيان التفكك الأسري وغياب التوعية، يؤديان بالفرد إلى العنف. لذلك يأتي دور المدرسة والعلم  والتعليم في توعية الأجيال وتعليمهم مهارات التواصل، وتنشئتهم على تقبل الآخر ورأيه واحترامه، وإرساء لغة الحوار والتفاهم، ونشر المحبة والعقلانية بين صفوفهم وتوعيتهم حول خطر العنف، وإدانته بكافّة أشكاله.

إضافةً إلى دور وسائل الإعلام في نشر التوعية والتأثير في ثقافة الفرد والإرشاد بمخاطر العنف، وتوجيهه إلى تحكيم العقل وإعماله بدلًا من تدجينه وكبحه.

فالجهل والتخلّف وقلّة الوعي وعدم تحكيم العقل، تشكّلُ طريقاً معبّداً نحو تفسّخ المجتمعات وانحدارها، وبالعلم والعقل نستطيع أن نخرج من وحل الظلمات الّذي نقبع فيه، وبالعلم والعقل نستطيع أن نرتقي نحو الأفضل، وأن نكسر كلّ ما يحدّ أفق الإنسان، ويقف في طريق عيشه بأمانٍ وسلام.