فتوى المرجعية الدينية.. والحشد الشعبي

محمد كريم الخاقاني

في مثل هذه الايام، بعد احتلال الموصل في 10-6-2014 من قبل عصابات داعش الاجرامية, اصدرت المرجعية الدينية المتمثلة بالإمام السيستاني (دام ظله) فتواها المتضمنة الجهاد الكفائي لمواجهة خطر تمدد تلك العصابات الارهابية، وذلك من خلال صلاة الجمعة التي القاها الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الصحن الحسيني الشريف في 13-6-2014, اذ كانت تلك دعوة صريحة وواضحة للمواطنين القادرين على حمل السلاح للدفاع عن البلد من خطر الارهابيين فكانت على شكل تطوع في صفوف القوات الامنية وبالتالي يجب ان يكونوا بمستوى التهديد والخطر المحدق بهم في تلك الظروف التي يمر بها العراق وهي تمثل مسؤولية من الناحيتين الدينية الشرعية والوطنية.

 وكانت ردود افعال المواطنين حول طبيعة تلك الفتوى وبعد اصدارها من قبل معتمد المرجعية, ان ازدحمت مراكز التطوع بجموع الراغبين بتنفيذ الفتوى لأن الوطن قد تعرض الى الخطر وبالتالي فقد احدث ذلك الامر ارتفاع الروح الوطنية لدى المواطنين ومن مختلف شرائح ومكونات الشعب العراقي فلم تكن تلك الفتوى وان كانت قد صدرت من قبل المرجع الاعلى للطائفة الشيعية بل كانت موجهة للشعب بكافة اطيافه ومكوناته وبهذا كانت ملحمة وطنية تسابق فيها الجميع لتغليب روح الايثار وتقديم النفس فداءاً للعراق.

ساهمت تلك الفتوى التي اصدرتها المرجعية الدينية الى تشكيل ( الحشد الشعبي) من حيث استيعاب مجاميع المتطوعين وفق فصائل تقاتل جنباً الى جنب القوات المسلحة وبإمرة الحكومة العراقية, ان الفتوى المباركة ساهمت بوضع حداً للمنازعات والصراعات السياسية التي كانت تعصف بالبلد ووحدته نحو هدف مشترك الا وهو مقاتلة داعش الامر الذي جعل من هزيمة العدو منطلقاً لتحقيق انتصارات تلو الانتصارات من خلال بث روح النصر لأبناءنا الغيارى فساعد ذلك وبمدة زمنية قصيرة الى تحرير المدن التي احتلتها تلك العصابات الاجرامية وانهزامهم امام تقدم قطعات الحشد الشعبي مدعومة بقوات الجيش والشرطة الاتحادية وبقية القطعات العسكرية الاخرى, لقد وحدت الفتوى الجهادية ابناء الشعب العراقي نحو قضية مصيرية وهي تعرض الوحدة العراقية للخطر بعد ان كانت مسرحاً للنزاعات بين القوى السياسية وانعكاساتها المباشرة في النسيج الاجتماعي العراقي.

 فدفع احتلال الموصل العراقيين الى التوحد والوقوف صفاً واحداً امام خطر حقيقي تمثل بعصابات ارهابية عاثت في الارض فساداً فكان الرد بانخراط المواطنين بصفوف قوات الحشد الشعبي الذي كان خير ظهير للقوات المسلحة في وقت تعرضت الوحدة الوطنية للتهديد المباشر وتمثل بالارهاب الداعشي واقتطاعه مساحات واسعة من العراق وتشكيل دولته المزعومة, ان مقاتلة تلك الزمر الاجرامية والتي سلكت طريق القتل والتهجير لمكونات الشعب العراقي, مثلت مهمة وطنية خالصة ولم تكن لتقتصر على مكون دون اخر بل شملت جميع الاطياف المكونة للشعب وبالتالي لم تكن فتوى الجهاد الكفائي مختصة بطائفة دون اخرى ولم تكن موجهة لمذهب بعينه, بل كانت تعني الشعب العراقي بأكمله, فكان منظر الطوابير الطويلة لصفوف المقاتلين تبعث الامل في رؤية العراق موحداً بعد ان يرزح تحت سياسات منقسمة على نفسها ولا تريد للعراق خيرا.

 ان الحشد الشعبي بجميع فصائله وسراياه ومقاتليه لا يمثل طائفة معينة بل يمثل العراق بجميع قومياته وطوائفه فكانت الفتوى المباركة هي للعراقيين جميعاً دون تمييز والتي استطاعت بفضلها ان يستعيد ما استلبته تلك العصابات الاجرامية من احتلال للاراضي وانتهاك للحرمات, لذلك كانت الفتوى الشرعية سبباً رئيسياً بانحسار التمدد الداعشي وزحفه نحو العاصمة بغداد وتهديده لها فجاء الرد من قبل المرجعية الشريفة للمواطنين للوقوف بوجه تلك المخططات التي تستهدف وحدة العراق وتمزيق نسيجه الاجتماعي المميز وبالتالي جعل العراق في مهب الريح فمثلت الفتوى السد المنيع لتلك المشاريع واصبح الحشد الشعبي رأس الرمح في وأد المخططات الخبيثة للمجاميع الارهابية واستهدافهم الوحدة الوطنية والاجتماعية والسياسية للعراق فوحدت تلك فتوى الجهاد الكفائي الشعب العراقي من الشمال الى الجنوب من حيث انها قد دعت المواطنين القادرين على حمل السلاح بالتطوع دفاعاً عن الوطن بعد تعرضه للخطر فكان توجهاً يحمل بعداً وطنياً لا يمثل فقط طائفة وقومية دون اخرى فأسهمت في قلب موازين القوى للحشد الشعبي وانتصاره في معركة مثلت معركة الوجود للعراق.

 لقد كشفت الفتوى المخططات الخبيثة التي قد راهنت على احتلال العراق ووقوعه تحت سيطرة مجاميع ارهابية وبتمويل وتخطيط دول من خارج الحدود فكانت الفتوى صفعة وضربة قاضية لجميع المخططات التي راهنت على تمزيق الوحدة العراقية واحتلاله من قبل الزمر التكفيرية. وسطّر الحشد الشعبي اسمى صور البطولة والفداء بتقديمه قوافل الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل بقاء العراق موحداً ومنتصراً في معركة الوجود وما كان ذلك ليتم لولا الفتوى السديدة للمرجعية الدينية والتي افسدت على الاعداء اهدافهم ومشاريعهم الرامية الى تمزيق الوحدة الوطنية فكان الرد على هذه المخططات بتوحيد الصفوف في قوات الحشد الشعبي.