أهل السنّة.. ليسوا هم النّواصب/3

إعداد: عبد الرحمن اللامي

يُجمع المسلمون بكلّ فرقهم أنّ (النصب) مصطلح إسلامي يطلق على مَن يعادي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأهل بيته (عليهم السلام)، ويؤذونهم بالقول أو الفعل.

ولكنّ أتباع ابن تيميّة والوهابيّة الموغلين بالنصب يريدون خلط الأوراق في زماننا هذا، لإيهام المسلمين بأنّهم أصحاب الجادّة المستقيمة والطريقة القويمة، وهم أهل السنّة لا غيرهم، وهذا ما يأباه كلّ المسلمين.

وللزيادة في الإيضاح ولرفع هذا الاشكال نوردُ لكم آراء بعض من مفكّري وعلماء المسلمين، ليبيّنوا لنا الأمر جليّاً ويرفعوا الشبهة عنه:

يقول الشيخ حيدر حب الله في الردّ على هذه الشبهة:

إن مصطلح النصب والنواصب ليس مصطلحاً شيعيّاً أو إماميّاً فقط، بل هو مصطلح إسلامي عرفه جمهور علماء الإسلام عبر التاريخ، ولكنّ دراسة هذا المفهوم وآثاره الفقهيّة لعلّها كانت واسعةً بشكل أبرز بين الشيعة، وسأوضّح الأمر في محورين:

المحور الأوّل: معنى النصب والنواصب

اختلف الفقهاء في معنى النصب والنواصب، وذلك على خطوط ثلاثة أساسيّة:

الخطّ الأوّل: في تحديد الطرف الآخر الذي يتمّ العداء معه، وهنا يوجد رأيان بارزان:

الرأي الأوّل: وهو الرأي الذي يرى أنّ الناصبي هو الذي يعادي أهل البيت أنفسهم، فبدل أن يُبدي المودّة ويكنّ المحبّة لهم، فهو يظهر العداء ويبطن البغض لهم، وهذا الرأي يجعل طرف المعاداة هم أشخاص أهل البيت عليهم السلام، فالناصبي يعادي عليّاً بشخصه، ويعادي الحسن والحسين وزين العابدين وفاطمة و..

الرأي الثاني: وهو الرأي الذي يقول بأنّ الناصبي هو الأعم من الذي يُبدي العداوة لأهل البيت عليهم السلام أو لشيعتهم من حيث هم شيعة لأهل البيت ومتبعون لهم، فهذا الشخص يعادي الشيعة؛ لأنّهم شيعة أهل البيت، ويحارب أتباع عليّ وآل علي؛ لأنّهم يشايعون علياً وآل عليّ عليهم السلام.

ومن الواضح أنّ الرأي الثاني أوسع دائرة ـ على مستوى الواقع الخارجي ـ من الرأي الأوّل، فمن يعادي شخص الإمام عليّ هم أقلّ بطبيعة الحال ممّن يعاديه أو يعادي شيعته من حيث اتّباعهم له، ولهذا يقلّ عدد النواصب على الرأي الأوّل، ويزداد نسبيّاً على الرأي الثاني، وهناك من يرى أنّ كلّ من يعادي الشيعة لتشيّعهم فهو في واقع حاله يعادي أهل البيت أنفسهم وإن لم يُظهر ذلك، وهو ما تفيده بعض الروايات أيضاً، ويعدّ هذا الرأي جسراً للإخباريين الذي وسّعوا مفهوم النصب، حيث يقولون بأنّ كلّ المخالفين يعادون الشيعة، وعليه فهم نواصب.

وعلى هذا الخطّ، فأغلب العلماء المتأخّرين والمعاصرين يميلون إلى الرأي الأوّل هنا، وهو أنّ الناصبي من يعادي أهل البيت لا مطلق من يعادي ولو شيعتهم دون أن يعادي أهل البيت أنفسهم.

الخطّ الثاني: في تحديد نمط العداوة ونوعها، وهنا ظهر فريقان أساسيّان أيضاً:

الفريق الأوّل: وهم الذين قالوا بأنّ النصب هو المعاداة تديّناً، بمعنى أنّ هذا الشخص يقوم بمعاداة أهل البيت مثلاً معتقِداً أنّ ذلك شريعة دينيّة وأمر ديني مطلوب منه، فهو يدين الله بمعاداتهم، ويتعبّده ببغضهم، وعندما نقول: (معاداة) فنحن لا نقصد إنكار فضيلة أو التشكيك بمنصب لأهل البيت منحهم الله إيّاه، فهذا لا علاقة له بمفهوم المعاداة لهم عليهم السلام، فقد لا تؤمن بفضيلة ثبتت لأهل البيت، لكنّك تحبّهم وتودّهم وتعترف لهم بالمنزلة عند الله، فلا ينبغي الخلط بين الأمور هنا.

الفريق الثاني: وهم الذين يرون أنّ مفهوم النصب أعم من المعاداة المنطلقة من دافع ديني وتلك المنطلقة من دوافع أخر ولو كانت دنيويّة، فإنّ النصوص مطلقة وينبغي الأخذ بإطلاقها، وبهذا يدخل كلّ الذين عادوا أهل البيت عبر التاريخ ـ ولو لمصالح دنيويّة وسلطويّة ـ في مفهوم النصب، وتترتّب عليهم أحكام النواصب.

الخطّ الثالث: في تحديد العداوة بين الحالة القلبيّة والحالة الإبرازيّة، وهنا يلاحظ وجود من طرح التمييز التالي:

أ ـ إنّ الناصبي هو الذي يبغض ويعادي بوصف ذلك حالة قلبيّة، سواء أعلن ذلك وأشهره، بحيث صار يعرف به، أو لا، فلو علمنا أنّه ناصبي ولكنّه كان ساكتاً بالإجمال العام فهو ناصبي تترتّب عليه أحكام النواصب.

ب ـ إنّ الناصبي ليس مطلق من عادى أهل البيت عليهم السلام، بل لابدّ فيه من أن يكون مبرزاً ذلك ومعلناً لنصبه وعدائه لهم، وإلا سمّي منافقاً بحسب تعبير الوحيد البهبهاني؛ لأنّ عنوان النصب عندهم يتضمّن الإعلان والإشهار، وإلا لم تترتّب عليه أحكام الناصبي، وهذا ما ذهب إليه كثير من الفقهاء ـ بل لعلّه المشهور ـ ومنهم الشهيد الثاني والسيد الخميني والسيد الكلبايكاني والسيد السيستاني والشيخ الصافي الكلبايكاني وغيرهم، ولعلّه يظهر أيضاً من بعض فتاوى الشيخ جواد التبريزي رحمه الله.

ووفقاً لهذا كلّه يرى بعضهم أنّ المقدار الأبرز للنواصب في التاريخ هم الخوارج الذي أعلنوا معاداتهم لعليّ عليه السلام تديّناً واعتقاداً، وإن كان الفقهاء كثيراً ما يميّزون في الفقه بين عنوان الخارجي والناصبي.