تجلّيات وعِبر في (السعي)

سعد عبد الحسين                      

السعي في اللغة تعني الركض والهرولة، فأن من يمشي ببطء لا يقال له ساعي. من هنا اطلقت تسمية السعي على حركة الحجاج بين الصفا والمروة، حيث يفضل للرجال قطع المسافة هرولة. وأصل تشريع السعي بين الصفا والمروة يعود الى قصة هاجر وابنها اسماعيل (عليه السلام) عندما ترك  النبي إبراهيم السيدة هاجر وابنه في الصحراء وعاد إلى الشام.

وقفت السَّيدة هاجر لتستفسر منه هل الله -سبحانه وتعالى- هو من أمره بهذا؟ يعني أنّ الله – تعالى - أمره أن يتركهما في بلاد مهجورة؟ فهزَّ رأسه بأنَّ هذا الأمر صحيح، فقالت له:

إذا كان هذا الأمر من الله فاذهب ودعنا، فإنَّ الله لن يضيعنا في هذا المكان وهو الرؤوف الرحيم.

هنا تجلّت عظمة التسليم لأمر الله وعظمة الثقة بالله تعالى وبرحمته. عندما عطش الطفل اسماعيل واخذ يبكي ارادت هاجر ان تبحث عن الماء او قافلة مقبلة فركضت نحو جبل الصفا ولما وصلت هناك لم تجد ما تطلبه، فإذا بها ترى جبلًا صغيرًا وهو جبل المروة، فركضت إليه وطوت هذه المسافة بين الصَّفا والمروة سبع مرّات بحثاً عن الماء، حتَّى أصابها التعب الشديد فتنظر لصغيرها وتشفق عليه وتدعو الله أن يغيثها هي وابنها.

أذن هي وثقت بالله تعالى وسعت للحصول على ما تريد ودعت الله ان يوفقها لما تريد. هنا جاء الرد الالهي  فمن تحت الطفل اسماعيل نبعَ ماء زمزم وهو ماء يرتوي منه الحجيج منذ الاف السنين الى يومنا هذا، وقال عنه رسول  الله (صلى الله عليه واله وسلم): ماء زمزم فيه شفاء من كل داء الا السؤام اي مرض الموت.

فارتوت هاجر هي وطفلها ونالت ثمن سعيها واصبح منسكها هذا من مناسك الحج الى يوم القيامة. فيجب على الحاج ان يسعى بهذا الموقع سبع اشواط ليتذكر بهذه القصة التي تعبّر اولاً عن الثقة بالله تعالى وعن السعي لأجل الحصول على الطلب والدعاء من الله تعالى بالتوفيق الى الوصول للطلب المنشود.

عندما تجمّع الماء قرب هذا النبع  نزلت الطيور لتشرب وبدأت القوافل تتجه نحوه لترتوي وبدأ الناس يسكنون حول هذا النبع، يزرعون ويرعون حيواناتهم فعرضت عليهم هاجر ان يعطوها جزة الصوف بعد كل موسم، لتعيش منها هي وابنها فاخذ العرب يدفعون لها ما تريد، وبعد سنوات وبعد ان كثر الرعاة استكثروا عليها هذه الضريبة فقطعوا عنها جزة الصوف فاذا بماء زمزم يجف. فعلموا ان لله تعالى عناية خاصة  بهذه المرأة وطفلها فعرضت عليهم من جديد على كل رعي ان يدفع لها جزة وخروف بعد كل موسم فرضوا، ورضخوا لذلك ومن هنا جاء المثل العربي: ما رضينا بجزّة صارت جزّة وخروف.

لاحظ ان السعي والدعاء لم يؤديا الى الوصول للهدف فقط بل ان الله تعالى رزق هاجر وطفلها وسيلة رزق دائم، وهذا هو عطاء الله تعالى للساعين المخلصين فأن عطائه غير محدود، ومن هذه القصة نتعلم:

1) الثقة بالله تعالى والايمان المطلق بالله تعالى بأنه عزَّ وجل لا يضيع المؤمنين. فالله تعالى هو وكيل المؤمنين وهو الذي يرتب حياتهم لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): لو يعلم الناس كيف يدبر الله لهم امورهم لماتوا فيه عشقاً.

موسى (عليه السلام) عندما تبعه جيش فرعون الرهيب وقال له قومه من بني اسرائيل انّا لمدرَكون قال وبكل ثقة ان معي ربي سيهديني فشق له البحر.

ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهو في الغار عندما قربت منه قريش وسمع صوت نعالهم قرب باب الغار فخاف صاحبه فقال له لا تخف ان الله معنا. الله تعالى لا يترك المؤمنون الواثقون به مطلقاً فهو ارحم بعباده من الأم بولدها كما ورد في الحديث الشريف.

2) نتعلم ان نحدد الهدف وندعو الله تعالى ان يساعدنا في تحقيق هذا الهدف. الدعاء مهم جداً لأننا نطلب هدفنا من الله تعالى مسبب الاسباب. وقال تعالى:

((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر:60]

وقال تعالى: ((قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)) [الفرقان :77]

3) نتعلم انه يجب علينا السعي لأجل الوصول الى الهدف. والسعي هو العمل بجد واجتهاد لتحقيق الهدف سواء كان الهدف بالدنيا او بالآخرة. فعلينا ان نعمل بالأسباب وكأنها كل شيء ونسأل الله وكأنها كل شيء.

ولكن احياناً قد تتباطأ الاجابة او يفشل السعي فعلينا ايضاً ان نكون على ثقة بأن في ذلك رحمة من الله تعالى بما سيؤول اليه هذا السعي في المستقبل.

لذلك قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): عليَّ ان اسعى وليس عليَّ ادراك النجاح.