رمضان المغفرة.. فرصة أخرى فلنغتنمها

صباح الطالقاني
الصورة: قاسم العميدي

يطل علينا شهر رمضان، الذي أُنزِلَ فيه القرآن وفرضَ الله تعالى الصيام فيه على المسلمين، وهو من أشرف الشهور، تُفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة، وتُغلق فيه أبواب جهنم، وفيه ليلة تكون فيها عبادة الله خيراً من عبادته في الف شهر، وفي الحديث: ان الله عزوجل يعتق في آخر كل يوم من ايام رمضان عند الإفطار، الف الف رقبة من النار، فإذا كانت ليلة الجمعة ونهارها، اعتق الله في كل ساعة الف الف رقبة ممَّن قد استوجب العذاب، ويعتق في الليلة الاخيرة من الشهر ونهارها بعدد جميع من أعتقَ في الشهر كله.

من هنا تبرز أهمية إستثمار هذا الشهر الفضيل لأقصى ما يمكن من اجل الخير بخصوصه وعمومه.

ففي الخاص من الخير، يقدم لنا الصوم في الشهر الفضيل فوائد لاحصر لها من القيم المعنوية ذات التاثير المادي المباشر وطويل الأمد في آن واحد، فعلى سبيل المثال ان الصوم يعدّل الغرائز ويقوي الإرادة ويلطف الروح.. لأنهُ مرتبطٌ ارتباطا مباشرا بخلجات النفس التي تعتمر فيها الغرائز من قبيل العاطفة وتناقضاتها من الأضداد، حيث تكمن فائدة الصوم المباشرة هنا في تعديل تلك الغرائز بما يقوّم المشوَّه منها ويقنّن الفوضى التي شابتها خلال عام، كذا فإن الإلتزام بمقوّمات الصوم سيفرض علينا الالتزام بمراقبة النفس خوفاً من الإنزلاق في متاهات المكروهات بما يصيبنا بالغفلة عن مزاولة المستحبات..

من ناحية اخرى فإن الصوم في هذا الشهر الفضيل يشرعُ أمامنا أبواب التوبة التي هي بمثابة الإغتسال بماء النهر الذي يتطهر به الإنسان، فالأمر يشبه الى حد كبير، نهر ماء ينساب طاهرا أمامنا في حين قد أحاطت بنا أدران الذنوب وأوساخ الغفلة والشره والطمع والغيبة... كذلك فإن قوة الارادة وتهذيب النفس والتحكم بها خلال صيامنا يُمكّننا من توجيه التفكير قلباً وقالباً نحو العبادات والمستحبات وعمل الخير، وَقَطْع الطريق أمام الملذات الطائشة ونوابز النفس الأمّارة بالسوء من أن تُفسد صفاء الروح والذهن في شهر الرحمة والغفران..

أما في إستثمار الشهر الفضيل في السعي نحو عموم الخير، فإن هناك العديد من القنوات التي يمكننا من خلالها المساهمة ولو بالنزر اليسير في كل ما تنطبق عليه صفة البر والتقوى وإحقاق الحق، وإن كان على أنفسنا..

فالأمر بالمعروف والمناداة بإنصاف المظلومين وتحقيق العدالة وشمولها الجميع دون فرق او تمييز، هو من البر والتقوى. وفَضحِ الباطل والدعوة لمحاسبة المُقصّرين والفاسدين وعزلهم عن المجتمع برٌ وتقوى، وتكثيف الجهود نحو إقامة مجتمع خالٍ من النفاق والإستغلال أيضا من البر والتقوى..

ونحن في العراق في هذه الحقبة القاسية الموشّحة بعلامات الإرهاب والفساد الذي تحوّلَ الى أخطبوط يضرب أطناب الدولة في كافة مفاصلها، أحوج ما نكون الى إعلاء ثقافة الحزم والمراقبة والمحاسبة.. مراقبة ومحاسبة من وثقَ بهم الشعب وأهدى لهم صوته كي يكونوا ساهرين على مصالحه وأمنه ومستقبله والوقوف على المقصرين والمفسدين الذين لم يكونوا على مستوى المسؤولية عن قصد او غير قصد.

إنها فرصة اخرى يمنحنا إياها الله تعالى لتزكية أنفسنا وأجسادنا، لا يسعنا الجزم في إمكانية إدراكها العام المقبل فلنغتنمها..