ثورة التغيير

يحيى الفتلاوي

 

 حملت الرسالات السماوية في مجمل مضامينها وأهدافها روح الثورة على النظم البالية والأوضاع المتردية والعقلية الجاهلية والروحية المريضة السائدة في المجتمعات الموجهة لها تلك الرسالات، مما أدى إلى ظهور تلك المواقف الرافضة لأمثال تلك الرسالات، وذلك إما بتأثير النفسية الأنانية الرامية إلى السيطرة والتحكم أو بتأثير العقلية المنغمسة في المرض حتى باتت لا تقبل أي دواء يؤدي إلى شفائها.

وان ثورة كثورة الإمام الحسين عليه السلام بأهدافها الإصلاحية في عموم الكون لا في خصوص منطقة معينة أو زمن محدد، قد أريد لها أن تكون امتدادا لتلك القيم الإسلامية التي نادى بها رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك عبر مقولته المشهورة عند العامة والخاصة (حسين مني وأنا من حسين) لهو خير دليل على أن تلك الثورة لم تكن من اجل سلطة أو مال أو مغريات دنيوية زائلة بل كانت ثورة على ما آل إليه العقل والروح البشرية في ذلك الوقت، وكونها دعوة إعادة تلك الروح والعقلية التي سادت في المجتمع إبان عهد جده الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أدى لتعرضها إلى ما تعرضت إليه الرسالات السماوية من المعاداة والمحاربة على مختلف الصعد.

ومن الدلالات البينة والواضحة على أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت تحمل هذه الصبغة ما كانت تشير إليه خطب الإمام الحسين عليه السلام والشعارات التي حملتها ثورته الإصلاحية بما تتضمنه في محتوياتها من منهجية الثورة على العقلية السائدة آنذاك وعدم طرحها المواجهة العسكرية بأسلوب استنهاض الهمم كسبيل للفوز في معركة عسكرية هنا أو هناك.

وقد كانت اغلب خطبه عليه السلام تشير إلى المفاسد والتحريفات التي أحدثتها طبقة الحكام خاصة وكيف أنها سعت بكل جهدها إلى تزييف الحوادث التاريخية والعبث في المفاهيم الشرعية والأخلاقية والعقائدية والاستهانة بالأحكام الإلهية وصولا إلى مستوى تحريف الكتاب الإلهي المنزل على الرسول محمد صلى الله عليه واله، ومن ذلك ما جاء في خطبته عليه السلام بأصحاب الحر بن يزيد الرياحي ومحاولته كشف اللثام عن الأعمال التي قام بها يزيد وأتباعه فقال عليه السلام: " ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله ".

فمن الملاحظ على هذه الخطبة مثلا أنها لم تسع إلى استدرار التأثير العاطفي في نفوس أتباع الحر بل إلى كشف الانحراف الذي وصل إليه قادة المجتمع وفضح أساليب محاربتهم للعقائد الإسلامية الحقة وتجاهلهم واستهتارهم بالقيم والمعايير الإلهية ورغبتهم الجامحة في إعادة المجتمع إلى طباعه القبلية ذات الجمود الروحي والعقلي والنزعة إلى طاعة النفس والرضوخ لأوامرها ورغباتها.

 وهكذا نلاحظ أنه الهدف من وراء هذه الخطبة وأمثالها كان إحداث نوع من التغيير في عملية التفكير العقلية الإنسانية كبداية وانطلاقة لإحداث التغيير الشامل على المستويين العقلي والنفسي، وكإشارة إلى أن أي تغيير وهذا التغيير إنما يتم وفق الآليات والأهداف الإلهية المؤكدة أن لا فائدة في إحداث أي تغيير ما لم يصاحبه إدراك عقلي ووعي حقيقي بوجوب التغيير وان ذلك التغيير سائر نحو الأصوب والأفضل عبر درب أصيل قدم للإنسانية قيما عليا لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.