الولادات المقدسة والدلالات

الباحث: صباح محسن كاظم
الصورة: قاسم العميدي

الولاء الحقيقي للنبي الهادي البشير يكمن في إتباع ومحبة أبناء وأحفاد الخاتم المعصوم سيد الأولين والآخرين، أجزم لا إنفصام بين الولاء المحمديّ والولاء الحسينيّ كما أجاب رسولنا الأكرم محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- حينما قال: حسين مني وأنا من حسين. لذا عززت ذلك بالتعليم الثانوي لغرسه بالأجيال من كافة الطوائف والأديان، وما دأبتُ عليه بكل الزيارات والحوارات بالوطن العربي.. في عصر العولمة وتذويب الهويات ومحاولات سلخ الأمة من هويتها ورموزها تبذل المؤسسات العالمية والميديا بعصر التكنلوجيا كل الجهود لإشاعة موجة الإلحاد والتشكيك والطعن حول الرسالة والإسلام، ولا سبيل إلا الحوار الجاد والرصين والعلمي فضلاً عرض مسيرة الرموز البشرية تلك النسخ الإلهية التي أفاض الله عليها الكرامات بالعلم والمناقب والفضائل لتبقى على شرفات التاريخ تلوّح للأجيال، فلا مسارات إلا بطرق المحبة والإتباع لأبناء الرسالة. في شعبان الفرح والمسرة نقف على محطات من ولادة.

الامام الحسين بن علي عليه السلام

في الثالث من شعبان للسنة الرابعة للهجرة ولد سيد الشهداء سيد شباب أهل الجنة السبط المخضب بالدماء الإمام المقطع والحق المضيع... سُرَ النبي الاكرم المصطفى الامجد بالولادة للطهر الطاهر فحمله، وقبله، وضمه الى صدره، ثم أذّن بأذنه اليمنى وأقام في اليسرى ليسمع نداء الحق اولًا.. وفي اليوم السابع عقَ المصطفى بكبش عنه، رضع من الطاهرة البتول، حضن أمه كنف جده رعاية أمير المؤمنين محبة الصحابة تحيط به وتربى على الفضائل والسجايا والخصال المثالية  من مدرستين من جده وأبيه... نشأ صلبا في الحق.. وتعشق قيم الاباء، والنخوة، والشهامة، ورفض الطغاة... جمع العلم، والفقه، والجهاد، فصار كعبة للاحرار.. ملاذا للأباة معلما للثوار...

ثم انتقل إلى مدرسة والده سيد البلغاء والفصحاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) مقتدياً بنهجه مدّة ثلاثين سنة في حفظ الدين، وإدارة شؤون الأمة، ومشاركة والده في حروب الجمل، وصفين، والنهروان. وبعد ذلك عايش أخاه الحسن (عليه السلام) أحداث إمامته بما فيها صلحه مع معاوية وكان جندياً مطيعاً لأخيه منقاداً له في جميع مواقفه التي اتخذها في مدّة إمامته التي استغرقت 10 سنوات، الاحداث تمر عن كثب والامام الحسين يرقب تحولات الامة منذ رحيل جده الهادي الى شهادة أبيه وأخيه الحسن... تصوراته ومعالجاته لازمة الامة التي استحكم بها الظلم والبطش والزيغ والضلالة واتباع الهوى فثار ضد يزيد وختم حياته بتتويجها بالشهادة التي بشرها الحبيب المصطفى لأمه وأبيه.

العباس بن علي عليه السلام

فلقة قمر بهاء المصطفى شجاعة علي، عالم غير معلم، أبي الضيم، الذاب عن الحق، المناصر للعدل، ساقي العطاشى في المحنة، ولد سنة 26 من الهجرة.

يكنّى أبو الفضل و يلقّب بالسقّاء و قمر بني هاشم، و باب الحوائج و سبع القنطرة وكافل زينب و بطل الشريعة.

ورد في مقاتل الطالبيّين: كان العبّاس رجلاً وسيماً يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض... و في بعض العبارات: إنّه كان شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً.

و روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال: «كان عمّنا العبّاس بن عليّ نافذ البصيرة صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبدالله عليه السلام، و أبلى بلاءً حسناً و مضى شهيداً مضرج بدمه الشريف وهو ينقل الماء الى الصبايا والنساء في الخيام الملتهبة وورد في شهادته:

ولمّا اشتدّ العطش بالحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه يوم العاشر من المحرّم و سمع عويل النساء والأطفال يشكون العطش؛ طلب من أخيه الإمام الحسين السماح له بالبراز لجلب الماء، فأذن له الحسين عليه السلام، فحمل على القوم فأحاطوا به من كلّ جانب فقتل وجرح عدداً كبيراً منهم وكشفهم وهو يقول:

لا أرهب الموت إذا الموت رقا

حتى أواري في المصاليت لقى

نفسي لنفس المصطفى الطُّهر وقـا

إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا

و لا أخاف الشرّ يوم الملتقى

لقد أصبح العباس اليوم في قلوب كل العشاق من النساء والرجال والاطفال يحملون اسمه في القلوب الوالهة بحب آل البيت من المغرب الى المشرق العربي الى الجزيرة العربية بل تعداها الى الانسانية جميعا بمختلف اديانها ومعتقداتها.

علي زين العابدين عليه السلام

الكمالات الأخلاقية استعدادات ذاتية ووراثة من الجينات السالفة، تلك مناقب إمامنا علي بن الحسين عليه السلام، وصفه جميع المؤرخين بما يلي: العابد، التقي ، النقي، الورع، الزاهد، الراشد، ذو الثفنات..امام الهدى والنسك والعلم اشتهر بعبادته ودعاء الصحيفة السجادية.

أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ اُناجيك بقلب قد أوبقه جرمه، أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعتُ.

 في حوار لإذاعة دولة (السويد) قلتُ: إن نظرية الحقوق البشرية نطق بها الإمام علي السجاد عليه السلام قبل كل التشريعات الدولية برسالة الحقوق التي دونها وأعلنها للإنسانية في الصحيفة السجادية و رسالة الحقوق.

كان عبد الله بن عباس على تقدّمه في السن يجل الإمام السجاد (عليه السلام) وينحني خضوعاً له وتكريماً، فإذا رآه قام تعظيماً ورفع صوته قائلاً: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب..

وقال الزهري، وهو من معاصريه: «ما رأيت  قرشياً أفضل منه»، وقال سعيد بن المسيّب وهو من معاصريه أيضاً: «ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين»، وقال الإمام مالك: «سمي زين العابدين لكثرة عبادته»، وقال سفيان بن عيينة «ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه»، وعدّه الشافعي: «أفقه أهل المدينة».

روي عن الصحابي جابر بن عبد الله الانصاري أنّه قال: كنت جالساً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال (صلى الله عليه وآله): «يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم (سيّد العابدين) فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام» ( رواه ابن كثير في البداية والنهاية جزء 9).

البلاغة الهادرة وراثة حسينيّة علويّة محمديّة، لذا نجد رسائله وخطبه تفوح بعطر الجمال لتهذيب الأخلاق بالعطف على الايتام والمساكين، بل تعداه الى الاهتمام بالحيوان..  وقد جيء به اسيراً لقصر المنافق بالشام، ليصدح مفوهاً بليغاً ويثبت مكانة آل البيت من جدهم المصطفى الخاتم، فقال مما قال:

((أيّها الناس، اُعطينا ستاً، وفُضِّلنا بسبع: اُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفُضِّلنا بأن منّا النبيّ المختار محمّداً (صلى الله عليه وآله) ومنّا الصِّدِّيق ومنّا الطيّار ومنّا أسد الله وأسد الرسول (صلى الله عليه وآله) ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الاُمّة وسيّدا شباب أهل الجنة .

وبعد هذه المقدّمة التعريفية لأسرته أخذ (عليه السلام) في بيان فضائلهم، قائلاً: «فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي. أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهواء، أنا ابن من اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى اليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن علىّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلاّ الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحُنين، ولم يكفر بالله طرفة عين..

ان الولاء الحسيني هو تجسيد للإقتداء بسنّة المصطفى صلى الله عليه وآله، الذي أمرنا وأرشدنا لمعالم طريق الحق.