الاسلام يهب المرأة حق الحياة

* الدكتورة حنان العبيدي/جامعة بغداد

 

كلنا يعجب كيف كان الآباء (على الأغلب) يمتلكون من قسوة القلب عندما يقدمون على قتل بناتهم الصغيرات أو دفنهن وهنّ على قيد الحياة في عصر الجاهلية؟؟

وكيف استطاع الإسلام في مدة قصيرة أن يقلب نظاما بكل حيثياته الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية سيما ما يخصّ موضوعة المرأة التي كانت في بعض الحالات أهون من الدابّة التي تمتطى.

سنحاول طرح جُلَّ ما جاء به الاسلام من أنظمة مدنية في حقّ المرأة وكيف أن الاسلام أول من أرسى دعائم حقوق المجتمع المدني في نظام مؤسساتي لا ترقى إليه معظم ما تدّعيه المنظمات الدولية التي تأخذ تسمية منظمات مجتمع مدني او منظمات حقوق الانسان، وما ترفعه من شعارات في (حقوق وحرية المرأة، والمساواة)، والتي لا تجد مبررات لقيامها إلا  لإنقاذ المرأة (حسب ما تدعيه في كثير من الاحيان) من الاضطهاد والعنف وهدر الحقوق، وكثيرا ما تضع الاسلام في أوائل من يمارس هذه التجاوزات ضد المرأة، لا حبّا بالمرأة المسلمة وبحثا عن سبل لإسعادها بل العكس، تضامنا ومناصرة للحملة الشعواء التي تقودها عناصر تدّعي  التحضر ضد الاسلام وتعاليمه السمحاء من جانب، وإثارة حفيظة المرأة المسلمة ودعوتها للتمرد والخروج عن مسار الدين الحنيف بوسائل إغراء مختلفة .

   لم تكن المؤسسة الدينية في صدر الإسلام، تقيم دورات أو إيفادات أو دكاكين وهميّة لتطبق منظومتها المدنية، بل كان المسجد مصدرا للتنوير والتثقيف وأهم وسيلة إعلامية تبثّ أنماطها وأساليبها في (تداول وتمثل) الحكم الشرعي الذي سرعان ما يأخذ دوره في التطبيق بشتى ضروب الحياة، وكانت أول ومضة نور ثاقبة غيرت نمطاً وحشياً كان يمارس إبان عهد الجاهلية، ألا وهو عملية (الوأد) إذ أرجع “القرطبي” أسباب الوأد لخصلتين: “إحداهما أنهم كانوا يقولون إن الملائكة بنات اللّهِ، فألحقوا البنات به، والثانية إمّا مخافة الحاجة والإملاق وإما خوفاً من السَبي والاسترقاق”.

  وذكر غيره أن سنين شديدة كانت تنزل بالناس تكون قاسية على أكثرهم، سيما الفقراء منهم، فيأكلون “العلهز” وهو الوبر بالدم، وذلك من شدة الجوع. فهذا الفقر وهذه الفاقة وذلك الإملاق، كلّ ذلك حملهم على وأد البنات للتخفيف من أعباء المعيشة من جانب وحذر الوقوع في الغواية بسببه من جانب آخر، فتلحق السُّبَّة بأهل البنت وبعشيرتها وقبيلتها.

  وجاء أيضاً أن من جملة أسباب الوأد وجود نقص في الموءودة أو مرض أو قبح، كأن تكون زرقاء أو شيماء أو برشاء أو كسحاء واًمثال ذلك، وهي من الصفات التي كان يتشاءم منها العرب، فكانوا يئدون من البنات من كانت على هذه الصفة، ويمسكون من لم تكنّ عليها، اذ انهم كانوا يقولون للأم بأن تهيىء ابنتها للوأد وذلك بتطييبها وتزيينها، فإذا زيّنت وطيّبت، أخذها أبوها إلى حفرة يكون قد احتفرها، فيدفعها فيها، ويهيل عليها التراب حتى تستوي الحفرة بالأرض، وبعضهم كان يغرقها، أو يقوم بذبحها، ليتخلص بهذه الطرق منها وبعض الآباء كان إذا ولدت له بنت، فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإن اراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها: طيّبيها وزيّنيها حتى يأتي بها البئر، فيقول لها انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب.

   حتى جاء نزول الآية الكريمة (وإذا الموءودةُ سئلتْ بأي ذنبٍ قتلت)  بتساؤل استنكاري ليصدر من خلاله أهم الأوامر القضائية التي أوقفت أبشع الصور في استباحة وجود الانثى أيّا كان انتماؤها او ميزتها، فأوقفت هذه الممارسة وحظيت الانثى بأول واهب  لها في حق الحياة، وجاءت بعد ذلك وبأسلوب تدريجي ينسجم مع سيكولوجية المجتمع آنذاك توالي المكتسبات والمستحقات، حتى بلغت المرأة في نهاية عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)أعلى وأرقى مراتب العز والوقار، ولم يكن ما جاء في سورة (النساء) الا نظاما دستوريا وضع فيه الخالق عزّ وجل افضل الأساليب والأنماط في التعامل مع المرأة في منظومتها (العقلية والنفسية والاجتماعية) وترتيب مستحقاتها في الحياة .

   ولكن!!! كثيرا ما يتبادر الى أذهاننا سؤال يطرق بوابة العقل بإلحاح، هل توقفت عملية وأد البنات فعلا؟؟ وهل يمكن للإنسان وبعد اكثر من أربعة عشر قرنا على هذا التحريم ان يمارس عملية الوأد هذه بصورته الفعلية المباشرة او غير المباشرة ضد الأنثى؟ وكم من الممارسات الجاهلية ما زالت قلوبنا معلّقة بها ونمارسها في صور قد تبدو أكثر تمييزا ضد الانثى؟