دور الأصفياء في بيان الامامة

الشيخ ضياء الدين زين الدين

بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد دور المنتجبين للإمامة (عليهم السلام) أنفسهم، في تحمل أمانة البيان، والتأكيد على ما تقدم به كل من القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من البيان، في شأن الإمامة والأئمة معاً، على مستوى النص، أم على مستوى بيان الخصائص والسمات والمهمات، ليطرد خط الحجة الإلهية في وضوحه وعمقه حتى النهاية، وفي قربه من الفطرة الإنسانية كذلك، دون أدنى غموض أو رَيب.

والنصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الموضوع أكثر وأوضح من أن تحتاج إلى اقتباس شواهد، نعم نقرأ هنا نماذج سريعة للوقوف على مدى ارتباط بيانهم (عليهم السلام) مع البيان القرآني، وبيان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):

(إن الله تبارك وتعالى طهّرنا، وعصمنا، وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القران معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) من خطبة له يذكر فيها الأئمة وصفاتهم:

(فالإمام هو المنتجب المرتضى، الهادي المنتجى، والقائم المرتجى، اصطفاه الله بذلك، واصطنعه على عينه، في الذر حين ذرأه، وفي البرية حين برأه، ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه، محبوا بالحكمة في علم الغيب عنده، اختاره بعلمه، وانتجبه لطهره، بقية من آدم، وخيرة من ذرية نوح، ومصطفى من آل إبراهيم، وسلالة من إسماعيل، وصفوة من عترة محمد صلى الله عليه واله، لم يزل مرعياً بعين الله، يحفظه ويكلؤه بستره، مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعا عنه وقوب الفواسق، ونعوت كل فاسق، مصروفا عنه قوارف السوء، مبرأً من العاهات، محجوبا عن الآفات، معصوما من الزلات، مصوناً من الفواحش كلها، معروفا بالحلم والبر في يفاعه، منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه).

كما يقول الإمام الرضا (عليه السلام) من حديث له حول الإمامة والإمام:

(هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم ؟! .إن الإمامة أجلُّ قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم ...فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره؟، هيهات، هيهات، ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبّاء، وكَلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه؟..

لا، كيف؟، وأنى؟، وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا ؟، وأين العقول عن هذا ؟، وأين يوجد مثل هذا؟!).

إلى أن يقول (عليه السلام): (الإمام: المطهر من الذنوب، والمبرأ من العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين .

(الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد عنه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب).

إلى غير ذلك من النصوص المشابهة..

أما التساؤل الذي قد يطرأ في أذهان البعض، بأن هذه الكلمات وأشباهها، إنما وردت من أولئك الأصفياء أنفسهم، فكيف تكون شاهدة على اصطفاء الله (تعالى) لهم؟ 

أقول: أما هذا التساؤل وأشباهه، فهي غير واردة هنا، فقد سبق أن علمنا أن النهج الإسلامي بمجمله لا يعتمد في بناء اليقين بحقائقه على النص وحده، ولا على مجرد الدعوى، ليشترط فيها أن لا تكون هذه الدعاوى صادرة من ذويها أنفسهم، لأن الشيء لا يثبت نفسه.

بل النهج الإسلامي لا يستخدم النص إلا لوضع الحقيقة التي يقدمها أمام العقول، لتتعامل هي معها من خلال ما عهدته ما تملكه هي من أسباب العلم واليقين، ومن خلال الثوابت التي أرادها الله (سبحانه) لدينه القويم.

أما ما وراء ذلك؛ فهو موكول إلى الإعجاز الذاتي الذي تملكه تلك الحقيقة نفسها، وإلى حكم الفطرة وشواهد اليقين بذلك الإعجاز، وإلى إدراك البصائر لدلائل اليقين في مسؤولية الإنسان تجاه ذاته ليصل إلى غاياته المنشودة، وهو قبل هذا- موكول إلى وحدة الإمامة والأئمة مع الخط العام لدين الله (تعالى) ورسالته الكبرى، بحيث تدرك العقول استحالة التفكيك بينها من جهة-، كما تدرك استحالة وجود الدين والرسالة بدون الإمامة والأئمة.

وكل هذه أمور أخرى لا علاقة لها بالنص -كما هو واضح- لأنها إما من شؤون الحكم العقلي، أو من المرتكزات الإسلامية الأولية، ولهذا امتلكت النصوص الواردة عن الأئمة في هذه المضامين الشهادة على صدق نفسها بما لها من إعجاز ذاتي، وإن لم يسندها شيء من الحجج الواردة عن غيرهم.