العبادات بين بُعدَي القول والعمل

أ. د. حميد حسون بجية
إن موضوع الهوة بين القول والعمل قد أصبحت أحد أهم الابتلاءات في مجتمعنا. لذلك سأحاول أن أذكر بعض النقاط التي قد تعين القارئ في ما يعترضه بهذا الصدد. 
معلوم أن العبادات تتخذ مستويين: أحدهما المستوى الفردي والآخر المستوى الاجتماعي. فالصائم مثلا ينبغي أن تصوم جوارحه ولا يكتفي بالإمساك عن الطعام والشراب وحسب. فإذا حدث وأن اكتفى بالإمساك، واستمر في ديدنه على الغيبة والنميمة وما إليها، فالمتضرر هو المجتمع، أما صيام الشخص نفسه فموكول أمره إلى الله، إن شاء قبله وإن شاء رفضه. 
   ولو أخذنا الصلاة، فعندما يؤديها الفرد ينبغي أن تكون تلك الصلاة باعثة على عمل الخير والالتزام به، وما من شك في أن المستفيد الأول آنذاك هو المجتمع. أما إذا حدث العكس، فالمتضرر المباشر هو المجتمع أيضا. 
و لو افترضنا أن الفرد قصر في صلاته، فإن حسابه على خالقه، و يكاد الضرر الذي ينال المجتمع معدوما. لأن تقصيره على المستوى الفردي. أما إذا كان التقصير على المستوى الاجتماعي، فلا شك أن الضرر سيكون كبيرا. 
     وعندما نخاطب الإمام المعصوم(أشهد أنك أقمت الصلاة)، فكلامنا في ظاهره لا معنى له لو أننا قصدنا الصلاة بوصفها الركعات والقيام والجلوس مجردة من البعد الاجتماعي وما تسببه من خير لذلك المجتمع،  فيكون كلامنا غير ذي بال لو قصدنا مجرد الحركة الميكانيكية للصلاة. ولكننا نقصد إقامتها بشرطها وشروطها، وأول تلك الشروط ما يتحقق منها من فائدة للمجتمع. 
     والحج وهو الفريضة الأخرى التي لها نفس البعدين. فمن يحج بيت الله الحرام، ينبغي أن يكون أكثر التزاما في حياته اللاحقة(بعد الحج) منه في حياته السابقة(قبل الحج). وقد سمعت من أكثر من حاج من حجاجنا تحريفا وسوء فهم لحديث نبوي شريف حول منح الحاج مدة أربعة أشهر بعد الحج يحل له فيها ما يحلو له أن يفعل، وقد أساء تفسير ذلك الحديث الشريف أحد أولئك الحجاج، فقام بتصفية حسابه مع أولاده، وعرضهم للمظلمة في هذه الفترة التي ظن أنها(ممنوحة) له. 
        والزكاة هي الأخرى تخضع لنفس المعايير السابقة. وهي تشمل الصدقة فيما تشمله، فهناك نوعان منها: صدقة السر وصدقة العلن، والاولى رغم أنها الأفضل والأجدى، ولكنها منحازة للمستوى الفردي. أما الثانية فهي منحازة للمستوى الاجتماعي. وهي تنطوي على تحفيز علني للآخرين للحذو حذو المتصدق العلني. 
     أما الجهاد، فيكفينا أن نذكر ما كان للإمام علي عليه السلام حين قتل عمرو بن عبد ود العامري، إذ تأنى في قتله لئلا يكون قتله انتقاما لما قام به ذلك الكافر ببصقة بوجه الإمام. فكانت تلك القتلة خالصة لله تعالى. على أننا ينبغي أن نذكر أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما عاد من إحدى الغزوات،  حث المسلمين على الجهاد الأكبر وكان من بين مقاصده كد الرجل على عياله، وهذا المعنى الآخر ينبغي لنا التمعن فيه لأنه يحملمغزى مهما وهو أن نلتزم ونبحث ونعمل في ما يفيدنا ويفيد المجتمع، وليس العكس.