في حوار مع الكاتب والناقد البحريني حبيب حيدر: علينا أن ننتقل بالقضية الحسينية من الأطر التاريخية والزمكانية الى أطر أبعد

الناقد والكاتب حبيب حيدر في حوار مع مركز الإعلام الدولي:

علينا أن ننتقل بالقضية الحسينية من الأطر التاريخية والزمكانية الى أطر أبعد ..
حاوره: فضل الشريفي

يشغله الحسين (ع) فكراً وسلوكاً، فيستنجد بقلمه ليبحر من خلاله عبر عباب الكلمات والمفاهيم وليصيغ منها مفاهيم حسينية، بعد ان يرتوي منها بحثاُ وتنقيباً، وهذا جعل منه مختصاً في الأدب الحسيني منطلقاً  بحسه الإنساني و هويته (الحسينية) الى صياغة اطروحات حسينية حديثة، اضافة الى ولوجه عوالم أخرى كنقد القصة والتحكيم في المسابقات الشعرية والقصصية والكتابة في الصحف والمواقع والتعليم ثم التدريب في سلك التعليم.

ــ نستهل حديثنا بالأدب الحسيني لانشغالكم به وتأثركم بشخوصه، نود توضيح مفهومه قبل الغوص في أعماقه؟

ــ الأدب الحسيني مصطلح يجمع بين مفردتي الأدب والحسيني اي اننا نسّبنا الأدب الى الإمام الحسين (ع)، فقلنا حسيني، وهذا التنسيب  لبيان ان هذه الآداب التي تمارسها المجاميع الشيعية من مسرح وشعر ومن كتابات مختلفة ومن رسوم   وغير ذلك من ادوات كلها تدور حول الإمام الحسين (ع)، وشخصية الإمام الحسين (ع) تستمد عمقها من النبي (ص) كما في الحديث الشريف  (حسيني مني وأنا من حسين ) وبالتالي فهو يستمد منه الحالة القيمية التي أرساها (ص) لذك عندما نتحدث عن الادب الحسيني فأننا نتحدث عن القيم التي قام من أجلها الإمام الحسين (ع) كقيم الخير والعدل السلام والتعايش والألفة، فالأدب الحسيني مستمد من شخصية الإمام الحسين (ع) ومن المآثر والاحداث التي سطرتها الشخصيات الحسينية  في كربلاء. 

ــ هل نجح الأديب الحسيني في صياغة الأحداث الحسينية صياغة إبداعية تليق بواقعة كربلاء؟

ــ هناك مسافة يجب اجتيازها عند الولوج في الأدب الحسيني،  فلو تناولنا الشعر مثلا نجد ان بعض القصائد بدأ ينتابها الكثير من الآفات كتجريد الحادثة الحسينية من قيمها وأهدافها، ومن الآفات أيضا الآفة التي تتعلق بالحالة التقنية (الحالة الشكلية للقصيدة الحسينية فبسبب مواكبة الشعر للألحان والاوزان المتعددة صار الشاعر يركز على ما يود صياغته بألحان معينة أكثر من تركيزه على مضمون القضية الحسينية، وهذه الظاهرة موجودة ولها ما يماثلها وهو قصيدة الموشحات الاندلسية فعندما قدمت بلحن معين ابتعدت عن المعنى وغدت تعيش بعمق التقنية وعمق الصوت واللحن، وهذا الحال ينطبق على القصيدة الحسينية في المواكب السيارة او المواكب داخل المآتم او الحسينيات فبسبب اللحن تعددت اوزان القصيدة وصار الشاعر يتعب نفسه ولا يجد المعنى في سبيل مراعاة اللحن المفروض عليه، ومن الاشكاليات التي تواجه القصيدة الحسينية هو اننا نقصر القصيدة الحسينية على ما حصل من أحداث سنة 61 هـ فقط دون ان نلتفت الى المضامين التي تخلد القضية الحسينية وهذا ليس عدلا، اما القصيدة المنبرية فالملاحظ انها الآن تراوح في مكانها رغم أصالة هذه القصيدة وتاريخها فمن المهم ان ينشط الشعراء في انتاج قصيدة حسينية للمنبر الحسيني الحالي، بدلا من الاكتفاء بقصائد منبرية للشعراء السابقين. 

ــ أتعتقد ان الجيل الحالي سيتفاعل مع القصيدة المنبرية الجديدة؟

ــ هذا هو التحدي، اي انك تقدم شاعراً يجيد كتابة القصيدة المنبرية بطريقة حديثة ومشوقة كإجادته كتابة القصائد الأخرى، فلو لاحظنا الشعراء الذين كتبوا القصيدة المنبرية نرى انهم كانوا خطباء وكانوا يتبنون قصائدهم ويلقونها على المنبر، لدينا مثلا الملا عطية الجمري الذي ذاع صيته ويقرأ قصائده الخطباء والرواديد في أكثر من دولة، إذن من تبني القصيدة الحديثة من قبل المنبر لتجديد القصيدة المنبرية

ــ أفهم انك انت تدعو الى الجمع بين الأصالة والتجديد؟

ــ نعم، من المهم جدا هذه الممازجة، وينبغي الالتفات ألى أن لا نركن الى الاصالة فقط فنلغي واقعنا ونلغي قيم هذا اليوم، فلو كتبنا لقيم هذا اليوم ومتطلباته لاستطعنا ان نغير، فالقصيدة التي كتبت سابقاً كتبت في أطر ذلك الزمن وقيمه ومتطلباته، الآن اللغة تختلف وكذا المتطلبات، فمن المهم جدا كما قلنا ان تكتب قصيدة منبرية لتواكب العصر حتى لا يأتي يوما ونقول الناس بعيدون عما ونقول. 

ــ هل يمكن ان ننتج أدباً حسينياً يتخطى الحدود؟

ــ إذا ارتهنا الى القضية الحسينية كحادث تاريخي فقط سنظل في الحالة التاريخية واذا تبنينا الإمام الحسين كحالة شيعية فقط سنظل في الحالة الشيعية لكن إذا نظرنا الى الإمام الحسين (ع) كمصلح وكمغير، واذا استمددنا القيم التي من أجلها نهض الإمام الحسين (ع) حينها ان ننتقل من الاطر التاريخية والمكانية والزمانية الى اطار أبعد من كل هذه الاطر، الحسين (ع) استطاع ان يصل إلى الزمن الذي نعيشه، هل نستطيع ان نصعد به الى زمن آخر وأطر أخرى، هذا هو التحدي بالنسبة لنا.

ــ ما متطلبات النهوض بأدب حسيني يصل الى بقية المجتمعات؟

ــ علينا ان نلتزم بالقيم وقد تحدثنا عنها قبل قليل وعلينا ان نتقن الادوات فمثلا الشاعر عليه ان يتقن ادواته الشعرية وكذا المشتغلين في مجال المسرح، نحن في قرانا وأحيائنا السكنية نمثل واقعة الطف، لكن هل نمثلها بطريقة متقنة يستطيع العالم أن يفهمها؟ هل نرسل رسائل إيجابية للآخر؟ يقول الإمام الصادق (ع) (لو علم الناس محاسن كلامنا لاتبعونا)، علينا أن نقدم الإمام الحسين (ع) بالصورة البهية التي يليق بها وعلينا التصالح مع الآخر، وهذا يتطلب منا ان نعزز وندعم العمل المؤسسي وذلك بتضافر جهود الكفاءات والمبدعين، ومن الضروري ان نشرك الآخرين في التفاعل مع القضية الحسينية وان لا نحتكر الإمام الحسين (ع).

ــ ما أثر الترجمة في تدويل القضية الحسينية؟

ــ الكثير من الآداب العربية حينما ترجمت استطاعت ان تصل الى الآخر بشكل جيد، لذا نؤكد على الترجمة لكي يفهم الآخر القضية الحسينية فهماً جيدا، فما يقام في مواسم الحزن الحسينية من فعاليات لا يصل إلى الآخر لكونه غير مترجم، فيعتقد الآخر أن هذه الفعاليات هي مجرد كرنفال شعبي ولكنه لا يدرك البعد التغييري والإصلاحي الذي يريد ان يصنعه القائمون بالفعاليات الحسينية.

ــ تحمل كربلاء الكثير من الأفكار والثيمات العالمية، هل لك ان توضح لنا كيف توظف؟

ــ لو تأملنا شخوص كربلاء نستطيع ان نكتشف الكثير من الثيمات، فخذ مثلا شخصية البطل القيمي نستطيع ان نصنع منها شيئا ونقدمها للآخرين، رضيع الإمام الحسين (ع) هي أيضا ثيمة مهمة أخرى إذ أنه رمز للبراءة والمظلومية وما جرى عليه هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وشخصية العباس (ع) التي تعبر عن ثيمة الايثار والشجاعة والنبل ومن الثيمات الأخرى التي يمكن الاستفادة منها هو رفض التمييز العنصري عبر مشاركة العبيد إلى جنب الاشراف والسادة في واقعة الطف تجمعهم وحدة الهدف ولا يوجد بينهم تمييز او تفرقة، وهناك الكثير من القيم والمبادئ الأخرى .

ــ ننتقل للحديث عن المسرح الحسيني قمت بتقسيمه في مقال سابق الى أنواع ومن بينها المسرح الإبداعي اوجز سمات هذا النوع؟

ــ احب ان امر بكم مروراً بانورامياً سريعا حول مفهوم المسرح الحسيني وانواعه وأطره، فقد قمت برصد الحالة المسرحية في القرى والأرياف  في تسعينات القرن الماضي في البحرين فوجدت ان للمسرح الحسيني انواعا مختلفة وقبل ان اتحدث عن انواع المسرح الحسيني أود ان اتحدث عن أصول المسرح العربي، وفي هذا المضمار يقول علي عقلة عرسان، في كتابه الظواهر المسرحية عند العرب، ما نتيجته أنه "لو اردنا ان نؤصل للمسرح العربي فلن نجد نقطة ابعد من محاولة تمثيل الشيعة لواقعة كربلاء". ومن القائلين بهذا الرأي أيضا المستشرق الألماني محمد عزيزة في كتابه الإسلام والمسرح. 

أما انواع المسرح الحسيني فمن بينها المسرح الاحتفالي وهو احتفال مجموعة من الأشخاص بالذكرى الحسينية احتفالا تمثيليا اي أن من يؤدي العزاء ومن يستمع له كلاهما يتمثلون ما جرى في كربلاء، والمسرح الآخر هو المسرح الشعبي حيث يرتدي فيه الشيعة في القرى والارياف والمدن الشعبية ازياء تاريخية تعود الى واقعة كربلاء ويجري حرق الخيام أو غير ذلك من أحداث تمثيلية للإشارة إلى واقعة كربلاء، وتكون اللغة في هذا السرح هي اللغة الشعبية والملابس والازياء تكون بسيطة أيضاً، والمسرح الثالث هو المسرح التاريخي (التسجيلي) ويعتمد على المصادر التاريخية واستنطاق التاريخ وتوثيق ما جرى في كربلاء من أحداث وحوارات، والمسرح الرابع هو المسرح الشعري، وفيه يقوم الشاعر بإلقاء قصيدة على لسان بطل من أبطال كربلاء، ويستذكر الأحداث أو يتفاعل معها ويصوغها شعرا  وهنا نود ان نلفت النظر الى أن المسرح الشعري مهم جدا فيما لو اردنا ان ننتقل من الحالة التلقائية الضعيفة في الأداء المسرحي الى حالة إثرائية للمسرح، والمسرح الخامس هو المسرح الإبداعي وهو مسرح يستقي من الحادثة التاريخية الأحداث والثيمات والأفكار ومن خلالها يخاطب المجتمع ويؤثر فيه بتوظيف القيم كقيم الإيثار والتضحية  في اعمال ادرامية ابداعية.

*حبيب علي آل حيدر، كاتب في مجال النقدي الأدبي ، وله دراسات في الأدب الحسيني، عمل محررا للملحق الثقافي في صحيفة الوسط البحرينية وغيرها، حكّم في العديد من المسابقات الأدبية الشعرية والقصصية والمسرحية وعمل في سلك التعليم معلماً ثم مدرباً للمعلمين.