... مائة عام على

ذكرى الفاجعة التي حلّت بمقدسات المسلمين في ارض البقيع بالمدينة المنوّرة، الأرض التي ضمّت الأجساد الشريفة للأئمة المعصومين، الحسن المجتبى، وعلي السجّاد، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق عليهم السلام، حين طالت قبابهم معاول التكفير الوهابية عام 1922م.

ولعل وقع المأساة على شواخص هؤلاء الأنوار الأربعة قد اختزل آلام الهدم والازالة لمراقد شريفة عديدة أخرى في هذه البقعة، حيث دُفن عشرات الصحابة، وبعض زوجات وأولاد النبي محمد صلى الله عليه وآله، وأقيمت حول مراقدهم القباب وفي جوارهم المساجد.

وقد لا يعرف العديد من المهتمين ان مقبرة البقيع قد تعرضت لهجمتين همجيتين من الهدم بينهما قرابة المائة عام، الأولى كانت بحدود عام 1220هجرية في عهد دولة آل سعود الأولى، وعندما تداعت سلطتهم على أيدي العثمانيين أعاد المسلمون بناء المراقد الشريفة كلها بما فيها القباب والمساجد، فأصبحت مزارات ومحط رحال للمؤمنين.

والهجمة الثانية حدثت عام 1344هجرية حينما عاود الوهابيون هجومهم على المدينة المنورة، بعد انحسار النفوذ العثماني، بتعاون آل سعود وقوات الاحتلال البريطاني، وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة الأطهار عليهم السلام وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بفتوى من وعّاظهم. الأمر الذي يحمل عدة معاني ليس أقلها ان هؤلاء خارجون عن الاسلام ويريدون القضاء على ملامحه الانسانية وقيمه الروحية ومقدساته، وكما كان لهم أجداد وقفوا ضد الاسلام في بدر وأحُد، فإن لهم أسلاف موغلون في الجرم والانحراف ولا حدود لوضاعتهم.

ان الواجب الذي يقع على عاتق المؤمنين في احياء ظلامة أئمة البقيع والدفاع عن شخوصهم كمقدسات اسلامية، يحتّم القيام بالعديد من المهام في هذا الاتجاه، منها ضرورة استثمار كافة أنواع وسائل الاعلام في نشر هذه الظلامة والمناداة برفعها، واقامة الندوات والمؤتمرات والتواصل مع المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية في سبيل الضغط تجاه السلطات السعودية، لفسح المجال لإعادة بناء هذه المشاهد المقدسة، والدعوة للاحتجاج وتنشيط مواقع الانترنت وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشأن، فضلاً عن إحياء مجالس الدعاء والتثقيف والتوعية بهذه الظلامة.

ان التاريخ لا يبالي لمَن لا يبالي به، فإذا ما انطمست ذكرى بهذا الحجم والأهمية فان ثوابت ومقدسات أكبر منها قد تتعرض لنفس المصير، لأن المعركة مع الوهابية والتكفيريين معركة وجود للإسلام ومعانيه السامية، ضد الهمجية والطغيان والجاهلية...

صباح الطالقاني
الصورة: قاسم العميدي