الحرية جوهر المشروع الإسلامي

حسن الهاشمي

الحرية التي أكدت عليها آيات القرآن الكريم ومنها قوله تعالى: (من شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر) تؤكد أن الإسلام دين الحرية بكل ما تمثله الكلمة من معنى، وقد استنبط الفقهاء من الآيات والروايات القاعدة الفقهية المشهورة (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) والتي تعطي الحق في حريات شاملة  للإنسان في مختلف أبعاد الحياة.

وقد أعطى الإسلام للإنسان حرية الفكر وحرية القول، وحرية العمل، في الإطار المعقول (من عدم الإضرار بالآخرين وعدم الإضرار البالغ بالنفس)، فالحرية عامة لجميع الناس حتى الكافر في مختلف الحقول فهو حرٌ في اختيار مذهبه، وانتخاب رئيس دولته، ونواب مجلسه، وهو حر في إن يسافر ويبني ويزرع ويتاجر ويكتسب، ويتملك خلافا لما موجود في الدول الغربية حيث إن معظم الحرية للنظام الرأسمالي.

الحريات في الإسلام

 فقد أعطى الإسلام الحريات للإنسان من ضمنها:حرية الأديان: حيث كفل لهم حقهم في اعتناق أديانهم، والعمل بدينهم بحرية تامة شريطة احترام الدين الإسلامي، والحرية الفكرية: مع توفير كل عون وخدمة وإمكانية يمكن تقديمها في هذا المضمار لتظهر المواهب وتخدم الكل ويكون التنافس الحر في التقدم والتقديم من خلال ما يعبر عنه بـ(حرية الكلمة)، والحرية الاقتصادية: بأن يعمل الفرد حسب كفاءته، فيعمل لنفسه وما يربحه من عمله لنفسه ولا تذهب بعض إرباحه في كيس الرأسمالي، أو في كيس الدولة، مع تحديد العمل بعدم كونه ضاراً لنفسه أو لمجتمعه، ثم الحرية السياسية: حيث للكل الحق أن يسعوا حسب كفاءتهم إلى أعلى المناصب السياسية في الدولة، فالحرية الثقافية التي تبيح لكل إنسان إن يصل إلى ما يريده من العلم والثقافة، والحرية الاجتماعية: حيث لا توجد الامتيازات الطبقية  بين الجنسيات والقوميات واللغات والألوان والأقليات إلى غير ذلك، إضافة إلى حرية المرأة التي تساوي بين المرأة وبين الرجل إلا فيما استثني  بالدليل لمصلحة رآها الشارع، لما فيها من تأدية إلى الفساد والإفساد، وهدم البيت العائلي وضياع الأولاد، وإدخالها في ما لا يلاءم شؤونها الأنثوية، ولا يناسب كرامتها  الإنسانية.

ومازالت الحرية هي الفريضة الغائبة عن حراك المسلمين السياسي والاجتماعي إذ لم يعملوا جهدا لاستخراجها من الكتاب والسنة التي أكدت عليها ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع لتقاطعها عادة مع ميول واتجاهات الحكام الظلمة.

وان ثقافة القمع وإلغاء الآخر وأخذ المواقف بالجملة دون تفصيل جعلنا نهمل أهم قاعدة إسلامية تقول: لنرحم بعضنا فيما اتفقنا به ولنعذر بعضنا فيما اختلفنا عليه، والقاعدة الذهبية الأخرى التي تقول: رأيي صواب لكنه يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب.

 

دعوة للتحرر

والإسلام في جوهره دعوة للتحرر من ربقة الاستغلال بجميع أصنافه وصوره، ولان السلطة الأموية شكلت التجسيد الفاضح لعودة الاستعباد وذل الناس وتكميم الأفواه وشراء الضمائر، وإلغاء الآخر ونفيه وسحقه كانت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) دعوة للتحرر من كل القيم والمفاهيم الجاهلية التي عمل الجهاز الأموي على إحيائها بعد اندراس.

إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى استحضار المشروع الحسيني بأهم واحدة من مفرداته (الحرية) المتمثلة بمقولة الإمام الحسين (عليه السلام) العظيمة يوم الطف (كونوا أحرارا في دنياكم) كي يقدموا أطروحتهم إلى العالم باعتبارهم امة ومجتمعات تشكل الحريات عندها قيمة دينية وإنسانية أصيلة، وإن المجتمعات المستعبدة والمقموعة لم ولن تستطيع مواجهة التحديات المحيطة بها لأنها مجتمعات مهزومة قبل المعركة، مسلوبة الإرادة، مسحوقة الشخصية، مشككة، بائسة، لا تعرف الأمل، ووحدها المجتمعات الحرة يمكنها أن تدحر محتليها وتبني كيانها، وتنمي قدراتها، وتجعل إنسانها قوياً ذا ثقة بأمته وإمكانيات مجتمعه.

وقضية الحرية في فكر الإمام الحسين عليه السلام هي مسألة ذات تأصيل فقهي وعقائدي في الإسلام، وتكاد تعادل في أهميتها قضية التوحيد، لأن الإسلام بتأكيده على التوحيد إنما ألغى وبشكل تلقائي تعدد الآلهة، أصناما، أم بشراً، أم قيماً وعادات، لذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اخرجوا من ذل عبادة الناس إلى عز عبادة الإله الواحد.