الاسلام في بلاد الكاميرون

في منطقة انتقالية رطبة وبالتحديد في الوسط الغربي من القارة السمراء إفريقيا، تقع بلاد تسعى إلى نشر راية السلام وتحاول أن تكون بعيدة عن الأحداث التي تعصف بالبلدان ، فالكاميرون التي اشتق اسمها من الأحجار الكريمة والتي احتلها الفرنسيون والبريطانيون ليتقاسموا هذه البلد تعدّ إحدى أكثر الدول ثراء لما تحويه من أحجار كريمة.

ومابين عامي 1960 و 1961 نالت الكاميرون استقلالها وقد تأثرت البلاد باللغتين الفرنسية والانجليزية وهنالك عدة لغات منها البانتو والعربية والسواحلية وغيرها من اللغات المحلية.
 
تاريخ الإسلام في الكاميرون 
يعتبر أول دخول للدين الإسلامي عن طريق التجارة على يد احد أشهر التجار ويسمى (بالفولاني) نقطة تحول لدى سكان الكامرون في الجهة الشمالية من البلاد في القرن الحادي عشر الهجري، استطاعوا من خلالها أن يكونوا مجتمعات إسلامية ، وكان هذا تمهيدًا لوصول نفوذ دولة كانم الإسلامية إلى شمالي الكامرون، ثم تلى ذلك امتداد سيطرة مملكة بورنو الإسلامية أيضًا على شمالي الكامرون، وحددت هذه المرحلة بداية توغل الإسلام من شمال الكامرون إلى وسطه منذ القرن 17م. 
وبدأت مرحلة جديدة عندما قاد عثمان بن فودي حركة تحت مسمى إسلامي في النطاق الشرقي من السودان الغربي، وكان متأثرًا بأفكار محمد بن عبد الوهاب صاحب الحركة الوهابية  فازدهرت على أثر ذلك حركة انتشار الإسلام الوهابي الذي قام بتحريف مبادئ الإسلام المعتمدة على روح الإخوة والتسامح إلى حب العنف والقبلية. 
وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري تشكلت ممالك إسلامية في شمالي الكاميرون، فانفصلت يولافي شمالي الكامرون مشكّلة هذا النمط من الممالك. وفي سنة 1893م، ساهم العديد من الدعاة المحليين في نشر الإسلام ، وظل الإسلام يتقدم من الشمال نحو الجنوب، ولم يوقف هذا التقدم غير الاحتلال الألماني الذي فرض نفوذه على الكامرون سنة (1302هـ - 1884م)، وانتشرت بعدها البعثات التنصيرية في القسم الجنوبي من الكاميرون، واستمدت سلطانها من الاحتلال الألماني.
بين الإسلام والمسيحية
يبلغ عدد سكان جمهورية الكاميرون بالنسبة لإحصاء 1999م (16 مليون) نسمة، يدين منهم 20 بالمائة بالإسلام، و35 بالمائة بالمسيحية، و 45 بالمائة لا يدينون بأي دين. وتعد الكاميرون من البلدان الإفريقية المنفتحة ديمقراطياً منذ سنة 1990م، حيث وصل عدد الأحزاب السياسية بها 170 حزباً سياسياً، سبعة فقط منها الممثلة في البرلمان الوطني حسب ما جاء في موقع "كامنيت" الفرنسي.
وتنشط الحركات التبشيرية في الكاميرون بشكل كبير لما تلاقيه من ارض خصبة. فالحركات التبشيرية المسيحية بدأت منذ بداية الاحتلال الألماني سعيا في نشر الفكر المسيحي وذلك من خلال الأموال التي تقدم إلى العوائل التي تنضم أو تتحول إلى الديانة المسيحية ،لكن فيما بعد نشطت الحركات الإسلامية والتي حاولت أن تنتهج نهج الحركات المسيحية فظهرت الحركة الوهابية التي تقوم إغراء الناس بالأموال سعيا في جذبهم لمبادئهم المزيفة، و نشطت فيما بعد حركات شيعية مهمتها التبليغ عن فكر أهل البيت عليهم السلام.
السكان
يتكون سكان الكاميرون من حوالي مائة قبيلة زنجية تشكل 80% من جملة السكان، بينما يتكون الباقي من جماعات تنتمي إلى البربر، والشاوة العرب، والحاميين، وتعيش هذه الجماعات في شمالي الكاميرون وتدين بالإسلام، ومن الجماعات المسلمة الفولاني، والبيل والكوتوما والماندورا والماسة والكانوري وفي غرب الكاميرون توجد قبائل البامليكة، والباموم وفي الجنوب جماعات الفانج. 
التعليم
لقد واجه التعليم الإسلامي فترات حالكة في ظل الاستعمار، فكان هناك نقص في التعليم العالي لا سيما لرجال الدين، وذلك بسبب عدم وجود المدارس العليا، لهذا تجد أن معظم رجال الدين في أثناء الاحتلال تلقوا تعليمهم خارج الكاميرون والقليل منهم تلقى تعليمه في مدينة يولا داخليًا، بينما تلقت الأغلبية تعليمها في مدن كانو وسكوتو بنيجيريا، ، وفي عام1954م كان عدد رجال الدين الذين تلقوا تعليمًا دينيًا عاليًا لا يتجاوز الستين، وبعد الاستقلال زاد الاهتمام بالتعليم الإسلامي، فأصبح تعليم الدين مادة دراسية بالمدارس الابتدائية، وقام بتدريسه معلمون من الكاميرون، ونتج عن هذا زيادة التقدم في الثقافة الإسلامية نوعًا وانتشارًا، ويجب دعم التعليم الإسلامي بالمزيد من الخبرات وذلك بسبب ما يعانيه الفرد من قلة تعليم رغم كون البلاد إحدى أغنى البلدان عالميا. فالطلاب في المرحلة الإعدادية  يتحولون إلى المدارس الحكومية بعد تلقيهم التعليم في المدارس الإسلامية ، وإلى جانب المدارس الحكومية توجد مدارس أهلية. 
تنتشر المساجد والمدارس الإسلامية في معظم مدن الشمال والوسط، وتقل في الجنوب، ولقد نشبت مقاومة إسلامية ضد نفوذ الإرساليات المسيحية في سنة 1379هـ، احتجاجًا على تحيز الاستعمار إلى جانبي هذه الإرساليات، وهكذا رجحت كفة الإسلام في بلاد الكاميرون حتى في ظل الاستعمار، وقهر التحدي، ولكن للأسف بعد الاستقلال تهاون المسلمون في إقامة المساجد، فرغم كثرتها في الكاميرون إلا أنها بحال لا تليق بقدسيتها وتضيق بعدد المسلمين. 
مستقبل الإسلام في الكامرون
تزداد نسبة المسلمين بشمالي الكامرون، وذلك نتيجة توسع الدعوة الإسلامية في هذا النطاق، كما أن الدعوة الإسلامية تزداد انتشارًا بين سكان غربي الكامرون خصوصًا بين قبائل البوميليكي (Bomileke)، كما أن انتشار الإسلام في جنوبي الكامرون أخذ في النماء، ولكن بدرجة أقل من الشمالي والوسط والغرب، وتقاوم البعثات التنصيرية انتشار الإسلام في الجنوب بوسائل عديدة، أهمها محاولة تسليم التنصير لرجال الدين المسيحي من الأفريقيين (أفرقة البعثات التنصيرية)، وكذلك نشاط المدارس الإرسالية، وتطوير مناهجها، مستغلة العجز المادي والمنهجي للمدارس الإسلامية، ورغم هذه الخطط فالتنصير بالكاميرون في موقف المدافع عن مكاسبه التي أخذت في التناقص أمام الدعوة الإسلامية. 
الهيئات والمؤسسات التعليمية 
يوجد بالكاميرون العديد من المؤسسات الإسلامية، منها: المجلس الوطني الإسلامي، ولجنة ترجمة القرآن الكريم، والجمعية الثقافية، وجمعية الكامرون الإسلامية التي تأسست في سنة 1963م، ومن أهدافها توحيد المسلمين في هيأة واحدة، ونشر التعليم الإسلامي، وتنظيم الوعظ في المساجد، والإشراف على المدارس الفرنسية العربية، والتي وصل عددها إلى 50 مدرسة ابتدائية و 5 مدارس إعدادية ومن أهدافها: إرسال الطلاب إلى الجامعات الإسلامية في الخارج، ومعظم الهيئات الإسلامية في العاصمة. 
التحديات 
أبرزها الخلافات بين المسلمين خصوصًا بين أصحاب الطريقة التجارية وجمعية مسلمي الكامرون، ومنها تحدي السلطات الحاكمة، وعرقلة بعض الأنشطة الإسلامية بطريقة غير مباشرة،  ومن التحديات أيضا نظم التعليم المشتركة، مثل المدارس الفرنسية العربية أو الإنجليزية العربية، هذه المدارس أصبحت تشكل معوقات للتعليم الإسلامي، حيث تركز اهتمامها على تدريس اللغة الفرنسية والإنجليزية و تهمل اللغة العربية، إما لنقص في عدد المدرسين وضعف أهليتهم التربوية، أو لعدم وجود المناهج الجادة والكتب المدرسية العربية؛ مما أحدث تسرب التلاميذ بعد المرحلة الابتدائية؛ مما أدى إلى إضعاف الثقافة الإسلامية. 
متطلبات
تتمثل في إنهاء الخلافات بين الطوائف الإسلامية، والعناية بالتعليم الإسلامي، والاهتمام بالبعثات الطلابية إلى الجامعات الإسلامية، والعناية بتأهيل المدرسين بالمدارس الإسلامية، وتوفير الكتب العربية وكتب الثقافة الإسلامية، وإصلاح المساجد والتي أصبحت في حالة لا تليق ببيوت الرحمن في بلد ثلث سكانه من المسلمين.
 ترجمة وإعداد: حيدر المنكوشي