الرسول محمد (ص) وقانون الديمو حياة

ما دور الانبياء و المعصومين (ص) في انتاج المعرفة؟

هذا المبحث لا تسد رمقه الصفحة او الصفحتان ولا المقالة والمقالتان، فهو يحتاج الى تفصيل شامل كيما يحظى بمرتبة من الاقناع المرضي، وكل مقصودنا من هذا المبحث بل عموم مباحث هذه الدراسة باعتبارها موجزة وسريعة تسليط الضوء على القانون الذي نخوض به لجج القراءة الشاملة لا أكثر ولا أقل.

يتساءل الكثير، وأخص منهم المسلمين بالذات في هذا المبحث عن دور الانبياء وعموم المعصومين (ص) في انتاج المعرفة، وملخص هذا التساؤل ينصب على افتراض ان الانبياء جاؤوا بتعاليم طقسية تنظم سلوك الانسان والمجتمعات، بلا أن تعير اهتماما للمعرفة في جانبها الطبيعي المادي مثلا فالأنبياء (ع) لم ينتجوا لنا قوانين كقوانين نيوتن وآينشتاين وفلمنك (مكتشف البنسلين) وكوخ (مكتشف السل) وغيره.

في الحقيقة لم أجد عند الاسلاميين وعند عموم أهل الاديان فيما تشهد كتابات الجميع اجابة منهجية ما عن ذلك سوى مسكنات ميتافيزيقية ومن ثم فهذه الاشكالية قد يراها البعض شيئا لكنها ليست هي بشيء فمهما كان الامر لا معنى لهذه الاشكالية من الاساس بالنظر لقانون الديمو حياة، إذا لا قيمة لأي اكتشاف مالم يحظ بمباركة الحياة الانسانية في حين لا عبرة بمباركات الغباء الانساني، وثانيا أي شيء يبقى لجهد الانسان لو جاء الانبياء بكل شيء.

هذا مضافا الى ان فرضية ان الانبياء والرسول محمد (ص) بنحو خاص لم يأتوا باكتشافات جبارة في عموم مجالات المعرفة المادية الانسانية، فرضية سقيمة للغاية لا تصدر الا عمن لم يطلع جيدا على أدبيات الرسول محمد (ص) القرآنية والحديثية وليس في وسعنا مع هذه العجالة بسط الكلام في ذلك إذ هذا البسط يحتاج الى موسوعة كاملة.

لكن نشير فقط الى ان القانون الرابع يقيد منهج الرسول محمد (ص) في انتاج المعرفة واكتشاف القوانين بضوابط الصالح الإنساني والتاريخي، ولقد جاء الرسول محمد (ص) لرد الاشكالية السابقة بأمثلة كثيرة متناثرة في القرآن الكريم والسنة منها قضية قارون التي يقول فيها القرآن الكريم (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ  فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ  وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ).

وقد ورد في تفسيرها باتفاق المفسرين السنة والشيعة ان قارون ممن تربطه صلة رحم بالنبي موسى (ع) وانه كان فقيرا معدما وقد شاءت الاقدار ان يمتلك بطريقة ما كنزا يصفه القرآن الكريم بأن مفاتحه فقط تنوء بحملها مجموعة (عصبة) من الرجال الاقوياء الاشداء ولكن اختلف المفسرون في طريقة حصوله على هذا الكنز الهائل وبعض الآراء تفترض انه عثر بلا مشروعية على صحيفة مملاة من أحد الانبياء الماضين فيها تكوين مركب للأكسير الذي يحول الحديد الى ذهب بلا تعب أو مؤونة وقد يؤيد ذلك قول قارون نفسه ( أنما أوتيته على علم عندي) ولم يقل عثرت على كنز أو غير ذلك.

والحاصل فبناء على هذا الرأي المعتضد بإطلاق الآية أعلاه تتوضح معالم القانون الرابع وأهداف الرسول محمد (ص) من هذا النمط من القصص القرآني، فالعلم بمركب الاكسير فيما يبدو للجميع ليس في مجرى الصالح الانساني بل هو بلا شك يعرقل بقاء التاريخ حيا، وآية ذلك ان هذا العلم مزق المجتمع الموسوي شر ممزق حتى ان قارون كان سيدا من سادات العابدين الصالحين بحق لكنه بعد هذه العلم المحظور كما في أدبيات الاديان أضحى رمزا للمفسدين الطاغين ومن وجهة نظر إسلامية ينص القرآن بكل ذلك قائلا:

(  فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) 

دعونا نفترض ان صحيفة الاكسير هذه وقعت بيد اليهود فقط او قعت بيد المسيحيين فقط او الاسلامويين فقط فماذا ستكون  النتيجة ؟ بل دعونا نفترض ان هذه الصحيفة اليوم بمتناول جميع البشر بلا استثناء نتساءل أيضا ماذا ستكون النتيجة؟

هذا من دون ان ننسى فيما يعرف القارئ الكريم ان اعلان المعرفة بصلابة قبل وقتها ربما تكون ضررا قاتلا على مستوى الوعي البشري الغض فمعلوم بان مثل القوانين الفيزيائية التي  اخذت بالحديد بأن يطير في السماء مع افتراض ضعف استعداد البشر لتلقيها أمر ضرره أكثر من نفعه فطبيعة أغلب البشر التكذيب قبل التصديق والسخرية قبل التثبت والجهل قبل العلم وكلنا يعلم بأن ان الكاثوليك قد شهر سلاح الهرطقة والزندقه بوجه غاليلو وامثاله بمجرد ان قال بدوران الارض بل كلنا يعلم ان السيد المسيح بما جاء به من معاجز حكم عليه اعداؤه بانه ساحر كذاب وهذا هو الذي حكم به القريشيون على الرسول محمد (ص) لما اعجز ادبهم الرفيع بالقرآن بل قد حكموا عليه بانه مفسد لما دعا الى قوانين المساواة البشرية ففي بلداننا الاسلامية مثلا لا يجرؤ اي مفكر إسلامي لان يطرح نظرية تصحيحية تنتشل الاسلام من زنزانات الماضي الخانق فكل هذا يشير الى ان استعداد البشر غض طري لقبول كل الحقائق هذا اولا، وثانيا فليس كل الحقائق هي المطلوبة عند الانبياء انها فقط التي تحدد هوية الحياة في التاريخ والانسانية.

 

اعداد : فضل الشريفي/ مقتبس من كتاب ديمو تاريخ الرسول المصطفى (ص) والإمام الحسين (ع) لباسم الحلي