الميزان بين يدَيْ عابدة آل علي

نورا كاصد العبودي 
عندما ارخى الليل سدوله، تكالبت عليَّ الهموم والرزايا، حتى القمر كان من الآفلين، واذا بالدهر يخلع لثام البراءة ويظهر وجهه البائس، المظلم، والحقود...
أوصال مقطعة على طول نهر العلقمي، أطفال مروعة، نساء ثكلى... دماء وصلت أبواب السماء طرقتها والتصقت في جدرانها تشكو ما فعله أهل الأرض... 
شموع أطفئت... أحلام سلبت، أماني تناثرت ورودا مذبوحة على سفوح الطف، لم تغفُ كربلاء منذ تلك الليلة... 
ليلة الحادي عشر...
عندما سافرت الشمس في قطار الغروب حلَّ الظلام ضيفًا ثقيل الظل، حيث رجالنا قضوا وشبابنا علقت رؤوسهم على الأسنة والرماح، والنساء خرجن يبحثن عن أطفالهن الذين هجّوا على وجوههم في البَرايا من لهيب النيران، حرق الخيام والسلب والنهب كانت هي غنائم حرب آل أمية...
كانت قلوبنا تلهب من العطش والحزن تغلغل في أرواحنا وسكنها الشجن ومأساة الطف حاضرة في أذهان كل فرد منا...
مذهولة أرواحنا، شاخصة أبصارنا من هول ما حدث وما هو آت، رائحة دماء رجالنا الزكية ملأت أرجاء نينوى، حيث حطّ الموت رحاله على وجوهكم الدرية، كانت أطهر دماء سالت عليها، وأشرف أنفس أزهقت، وأزكى أرواح ستوارى فيها، ذلك اليوم الذي زادته سوادا كومة الخراب التي خلفها الحرق، والسكون بينما القلوب تصرخ بوجع وأنين لا منتهى له، حسرات ممزقة تطلقها اليتامى، جوع الأمان لم يكن هينًا على تلك الأطفال الذين اعتادوا من أهلهم، كيف لي أن اجمعهم، وهم كالحروف ملأوا الأرض عبارات مدوية بوجه الباطل صارخة بالحق
رحيلهم الواحد تلو الأخرى كان يبعثر أرواحنا ويبث الحزن داخلنا، حتى الأطفال تعلقوا بثياب قائدهم يريدون نصرته، ألهذا الحد كنت وحيدًا! وأنا مثلك الآن. 
وحيدة تماما في ليلة يسود قلوب أطفالك القلق والتوتر، انقباض الأنفاس بات سيد الموقف، وقلبي يطلب منكم الحماية فيما أسعى جاهدة لأنفذ وصاياك.
أعددت عدتي واستعنت بالله بعدما فوضته أمري وصرت أجمع النساء والأطفال كما اوصاني أخي ...
وقفت بشموخ أبي أحرس عيال أخي و أحامي عن أطفاله، الذين ذبلوا كالورود حين تغرس في غير أرضها...
أندب الحسين (عليه السلام ) ومرة أنادي أخي العباس (عليه السلام ) أسمع بكاء أطفالهم وعويل نسائهم، الطم
الوجه شاكية فقدهم، وأطلب العون من والدي علي( عليه السلام) ويشتد بكائي والعزاء...
رأيت ضوءا يقترب منا خفت أن يكون أحد أعدائنا وأقسمت عليه بالله ان كان يريد الضرر بنا ان يكف شره عنا، لكني رأيت نجمة... نجم الميزان كان ناصع البياض، ذا هيبة سابقة له، بدا عليه وقار النجوم بل كأنه القمر وسط السماء الحالكة الظلام، فارس مغوار، ألقى التحية على استحياء... نجمُ عدلٍ فارق السماء وهبط للأرض يبحث عن ذرة عدل تسودها بعد أن رأى الظلم غزاها وثبت وتده فيها، يريد أن يسري حكمه ويذيع أمره، وتغلب كلمة الحق على الباطل، وينثر آل الرسول دررهم ويبسطوا ذكر الله (جل علاه)... قال النجم:
لا تخافي أنا هنا لحراستكم هذه الليلة... من أنت! وهل تعلم ما جرى علينا؟ أم أنت أحد الشامتين بنا... بينما هي كذلك نادت بصوتٍ يعلوه الحزن وتتفجر منه الآهات والحسرات يا أبا الغوث أغثنا يا علي ادركنا... وإذا بالصوت من ذلك النجم المضيء يقول: أنا أبوك علي يا ابنتي... تعالى صوتها بالنحيب وهي تشتكي قوما ما رأفوا بحال الأطفال أيتموهم وهم يعلمون بقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث قال: (جل علاه) بسم الله الرحمن الرحيم (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). 
نحن القربى يا أبي؟ ونحن من قُتلنا وحُملت رؤوس رجالنا على الأسنة والرماح، نحن من رُوعنا، وسُبينا، نحن بلا ناصر ولا معين. 
====================== 
من صبر السيدة زينب (عليها السلام) إعجازا ، فالإنسان يستلهم منها عليها السلام دروسا وعبر ، والصبر يحتاج إلى إعداد روحي ، فلذا وعت أن الصبر يرتقي بها إلى مراتب الكمال ، وهي العالمة غير المُعَلمة ، وهي من الذين لاقوا المصائب الجسام وصمدت ، وهذا مما يقوي الإيمان في قلب الإنسان ، والصبر يُراد له تربية للروح، ولا تستغرب من الذين يقولون: إن مصاب السيدة زينب عليها السلام أعظم مصاب في الطف ، لما حصل لها من عظم المصاب ، لأنها حملت مصائب الفراق ومصائب جمع العيال ، ومواصلة مسيرة الإمام بكل صبر وعزيمة، وقيادة ليس لها مثيل.