عمالة الاطفال.. ضياع للمستقبل وبؤرة للمشاكل الاجتماعية

غانيا درغام

عناوين إنسانية كثيرة كُتبت وستكتب لاحقاً لكبح سيطرة العمالة على الأطفال، تعابير جارحة ومؤلمة تحاول أن تلم بحجم الكارثة، لكن جميعها لن ولم تساوي لحظة ضعف في جسد صغير، ولا دمعة حرمان على خد لم تقسى خلاياه بعد، فعمالة الأطفال تعتبر من أقوى جرائم الإنسانية، حيث تضر بنموهم العقلي والجسمي والنفسي، كما تحرمهم من طفولتهم الطبيعية، أيضاً تمس بكرامتهم وإمكاناتهم وتحرمهم منها.

الأطفال العاملين عرضة للعديد من الاعتداءات "الجسدية أو الجنسية، إضافة إلى سوء المعاملة العاطفية، ويتمثّل ذلك بالعقاب البدني كالضرب، أو من خلال "الشتم، اللّوم، الرفض، والإهانة"، إلى جانب إهمال تأمين احتياجاتهم من "الغذاء، المأوى، العلاج، والملابس"، ويمكن أن يظهر ذلك على شكل إصابات مختلفة في أجسامهم "كالحروق، الجروح، الكسور، الإرهاق، الدوار وغيرها"، من جانب آخر يعد التحرش الجنسي للأطفال تحت السن القانوني خاصة للفتيات نوعاً من مظاهر الانتهاك والاستغلال، وقد يحدث ذلك عن طريق الاغتصاب، مما يؤدي احتمال "الحمل المبكر، الإجهاض، نقل الأمراض الجنسية، كالإيدز، وغيره"، كما يمكن أن يتعرض الأطفال لمخاطر إدمان المخدرات، والكحول.

وينتج عن ظاهرة تشغيل الأطفال في ظروف صعبة وغير صحية العديد من الآثار السلبية، من أبرزها:

- حرمان الأطفال الذين يعملون في سن مبكر من طفولتهم، وحقهم في التعليم، أيضا حقهم في امتلاكهم مهارات اجتماعية وأساسية تمكِّنهم من العيش ضمن هذا العالم الذي يتطور باستمرار.

-تهديد أخلاق الطفل والمس بكرامته خصوصاً في حالات الاستغلال الجنسي.

- تعريض الأطفال العاملين للعديد من المشاكل الصحية كسوء التغذية، والشيخوخة المبكرة، والمشاكل النفسية كالاكتئاب.

- استغلال أصحاب العمل للأطفال بمختلف الطرق بسبب عدم وجود حماية لهم وخصوصاً الأطفال المختطفين، حيث يحاول أصحاب العمل عزلهم عن الآخرين، وفرض السيطرة المطلقة عليهم، وعدم توفير ظروف مناسبة للعمل لهم، وانتهاك حقوقهم الطبيعية الأساسية.

وعن آثار تشغيل الأطفال النفسية فإن الجانب الاجتماعي للأطفال العاملين يؤثر سلباً بسبب العمل، فبدلاً من قضائهم مرحلة الطفولة بين القرطاسية المدرسية واللعب مع غيرهم من الأطفال، والاستمتاع مع أفراد عائلاتهم، والتفاعل مع الآخرين بطريقة سليمة وصحيحة، فإنهم يقضون الكثير من الوقت في العمل، مما يؤدي إلى ضعف قدراتهم على التواصل الاجتماعي بالأسرة والمجتمع، إلى جانب ضعف كبير في بناء شخصياتهم، وانخفاض ثقتهم بأنفسهم، فالأطفال والمراهقون الذين يعملون أكثر من 20 ساعة في الأسبوع معرضون لاكتساب عادات سيئة وغير سليمة مثل التدخين وإدمان المخدرات، إضافة إلى نمو السلوك العدواني في شخصياتهم.

تنعكس الآثار النفسية على الأطفال العاملين بأعمال تفوق قدرتهم الجسدية وقابلياتهم العمرية بجوانب عدة أخرى كتعرضهم للتنمر، والمضايقات، والرفض من قبل زملائهم وأقاربهم، إلى جانب عدم تلقيهم لمعاملة عادلة، مما يؤدي إلى تنمية العزلة الاجتماعية لديهم، وضعف روابطهم العاطفية، وإمكانية ممارسة سلوكيات خطيرة كالجرائم في بعض الأحيان، ويجدر بالذكر تعرض الأطفال العاملين للاستغلال المادي دون وجود أي أمان وظيفي.

لا تقتصر أضرار عمالة تشغيل الأطفال على مجال عمل محدد، إذ يعمل الأطفال في العديد من المجالات المختلفة، وتختلف آثار تشغيلهم باختلاف الأعمال التي يقومون بها، لكنها بالمجمل تعود بأضرار عديدة على الجانب الصحي لهم على المدى الطويل، سيما الأمراض المعدية التي جاء آخرها جائحة كورونا.

وقد حذرت منظمة العمل الدولية واليونيسف خلال تقرير لها من أن تسعة ملايين طفل معرضون لخطر العمل بسبب جائحة كورونا، وأعلنت عن ارتفاع عدد الأطفال العاملين في العالم إلى 160 مليون طفل بزيادة 8.4 مليون في السنوات الأربع الماضية، وقد صرح غاي رايدر المدير العام لمنظمة العمل الدولية:

"التقديرات الجديدة جرس إنذار، لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتعرض جيل جديد من الأطفال للخطر، فالحماية الاجتماعية الشاملة تسمح للأسر بإبقاء أطفالها في المدرسة حتى لو واجهت صعوبات اقتصادية، وزيادة الاستثمار في التنمية الريفية والعمل اللائق في الزراعة أمران جوهريان، نحن في لحظة محورية، والكثير يتوقف على كيفية ردنا، هذا هو الوقت المناسب لتجديد الالتزام والطاقة، من أجل تخطي الأزمة وكسر حلقة الفقر وعمل الأطفال".

كما حذر التقرير من أن تسعة ملايين طفل إضافي في العالم معرضون لخطر الاضطرار إلى العمل بحلول نهاية عام 2022 بسبب الجائحة، ويظهر أحد نماذج المحاكاة أن هذا الرقم قد يرتفع إلى 46 مليوناً إذا لم تتوفر لهم إمكانية الحصول على الحماية الاجتماعية الضرورية، من جانبها قالت "هنرييتا فور" المديرة التنفيذية لليونيسف:

"إننا نخسر في معركتنا لمكافحة عمالة الأطفال، والعام الماضي لم يجعل هذه المعركة أسهل إطلاقاً، والآن في العام الثاني من عمليات الإغلاق الشاملة، وإغلاق المدارس، والاضطرابات الاقتصادية، وتقلص الموازنات الوطنية، تضطر الأسر إلى اتخاذ خيارات مؤلمة، نحث الحكومات وبنوك التنمية الدولية على إعطاء الأولوية للاستثمار في برامج يمكن أن تخرج الأطفال من القوى العاملة وتعيدهم إلى المدرسة، وفي برامج حماية اجتماعية تساعد الأسر في تجنب هذه الخيارات بالكامل".

منظمة العمل الدولية واليونيسف دعتا إلى:

- توفير حماية اجتماعية كافية للجميع، بما في ذلك منافع شاملة للأطفال.

- زيادة الإنفاق على التعليم الجيد وإعادة جميع الأطفال إلى المدرسة بمن فيهم من كانوا خارج المدرسة قبل كوفيد-19.

- تعزيز العمل اللائق للبالغين، حتى لا تضطر الأسر إلى تشغيل أطفالها بهدف المساعدة في تحسين دخل الأسرة.

- إلغاء المعايير (الجندرية) الضارة والتمييز بين الجنسين الذي يؤثر على عمل الأطفال.

- الاستثمار في أنظمة حماية الطفل، وفي التنمية الزراعية، والخدمات العامة في الأرياف، والبنية التحتية، وسبل العيش.

وبحكم مسؤوليتنا كمنبر اعلامي، توجهنا إلى بعض الأطفال ممن يعملون في الطرقات، وكان أولهم ثلاثة أطفال أخوة يعملون بجمع المخلفات البلاسيتكية وفتات الخبز في الطرقات، وكان اثنين منهما في عمر المرحلة الدراسية الابتدائية، والآخر أخيهم الأصغر الذي يرافقهم في رحلة الشقاء اليومية، وتحدثنا إلى أكبرهم أن هذا العمل يؤدي الى مخاطر التنقل في الطرقات إضافة لتعرضهم لظروف صحية سيئة، لكن بدا على وجهه ملامح الطفولة الخجلة التي لا حول لها ولا قوة، وعند سؤالنا له لماذا تعمل أجاب أن والده يجبره مع أخوته على العمل!، وأنه يحب المدرسة والثياب النظيفة، والجدير ذكره أن خلال حديثنا ظهر رجل ضخم البنية يركض متوجهاً بغضب إلينا وهو يتهجم بسؤاله لنا: "ماذا تريدون منهم"، فأخبرناه أننا اعلاميين وحين سماع هذا، هرع هارباً بسرعة وهو يردد قوله: "لا علاقة لي بهم"، لكن أخبرنا أحد الأطفال أن هذا الرجل صديق والدهم وهو الذي يقلهم بوسيلة مواصلات يوميا ويتركهم في الطرقات، لكن يشرف عليهم من بعيد، بالتالي إن عمل هؤلاء الأطفال تنظمه مافيا غير إنسانية بموافقة والدهم الغير مسؤول.

أيضاً تحدثنا إلى طفل يعمل ببيع الخضار على عربة بسيطة، يجرها بيديه بين الأحياء ليحصل على مبيع يومي أكثر، وقال لنا أنه يعمل ويدرس في آن واحد، يدرس لأنه يحب أن يصبح له شأن في مستقبله، ويعمل من أجل مصاريف دراسته ومساندة أمه، لأن والده متوفى وجاره يساعده في تأمين الخضار كونه بائع خضار، إذاً إن هذا الطفل يعمل من أجل هدف نبيل في حياته، لكن هذا العمل وجر العربة الثقيلة بالنسبة لحجمه الصغير يمكن أن يعرضه لخطر صحي في العظام خصوصاً أن نموه لم يكتمل بعد.

وقالت لنا طفلة تعمل في مركز حياكة الملابس أنها تريد أن تتعلم مهنة تعيش بها لاحقاً، وأنها يجب أن تتعلم وهي صغيرة كي يصبح لديها الخبرة في وقت مبكر من عمرها، هكذا أخبرها والديها بحسب ما شرحته، كما نوهت أن عائلتها هربت من براثن الارهابيين والحرب في المنطقة التي كانوا فيها، وقد قام الارهابيون باحتلال مدرستها وحرقوا جميع مستندات المدرسة.

ونذكر أن القانون رقم 10/1999 الذي يحمل عنوان "قانون حماية الأطفال وأغراض أخرى"، والذي بدأ تطويره في عام 1993م من خلال إصدار ورقة قضايا حماية الطفل المطروحة، وبلغت ذروة تطوير هذا القانون عند الإعلان عنه في عام 2000م، ويعتبر المبدأ الرئيسي لهذا القانون هو سلامة الطفل، ورفاهيته، ومصالحه الفضلى، كانت صدرت عنه مبادئ حماية الطفل وأهمها:

- رعاية مصالح الطفل باعتبارها أهمية قصوى.

- الطريقة الفضلى لضمان رفاهية الطفل هي دعم العائلة.

- ضرورة مشاركة الأسرة في التخطيط وصنع القرار الخاص بالأطفال.

- ضرورة أن تكون الخدمات المقدمة مناسبة ثقافياً.

- ضرورة التعاون مع العائلات، والمختصين، والوكالات الأخرى، والمجتمع.

الخبير المتخصص بشؤون الرعاية الاجتماعية عبد الكريم العامري نوّه في ورقة له، عن عوامل يمكن أن تكون ساندة بشكل فعال في معالجة ظاهرة عاملة الأطفال من خلال الاشارات التالية:

- دور الاعلام، ويعد محوريا في نقل المآسي التي يتعرض لها الأطفال العاملين ونشرها في كافة الاوساط الاجتماعية والحقوقية والحكومية من جهة، وفي توعية الناس وخاصة عوائل هذه الشريحة من الأطفال بالمخاطر المحدقة بأبنائهم اذا ما استمروا بهذا الطريق المهلك.

- مبادرات المجتمع المدني، وتشمل شقّيها الفردي والمؤسساتي لمتابعة الأطفال العاملين ومحاولة اعادة دمجهم بالمجتمع الصحيح الذي يتناسب مع قدراتهم ونفسيتهم.

- دور المؤسسات الدينية، وله الأثر الكبير في حث الناس جميعا من مختلف الاطياف والشرائح على ضرورة الوقوف والتصدي لاستغلال الأطفال في العمل وغيره، حيث نهى الشارع المقدس كافة انواع التعرض للطفل وخاصة فيما يتعلق انتهاك حقوقه في التعليم والصحة والتربية والارشاد والحماية من تبدلات الظروف الاجتماعية والأمنية والسياسية.