المؤمن والتحديات المعاصرة

بقلم: آية الله السيّد محمّد باقر السيستاني (حفظه الله) 

لا شك أن هذا العصر يتميز بكثرة التحديات التي تتفق إزاء سلامة الفكر والعقيدة والأخلاق، وذلك من خلال أدوات الاطلاع والتواصل المميزة التي تيسرت وعمّت الناس جميعاً.

وهذا أمر يذعن به الباحثون جميعاً مهما كان الاتجاه الذي يعتقدونه ويرون صوابه، لأنهم يجدون كيف أن الاتجاهات الأخرى تؤثر على الناس في جذبهم إليها رغم خطئها والانحراف فيها، لأن هذه التحديات لا تتفق تجاه فكر محدد أو عقيدة معينة أو منهج أخلاقي خاص، بل هذه التحديات أصبحت تواجه ثوابت الرشد والاعتقاد والأخلاق..

فإذا لاحظنا عنصر الرشد وجدنا أن التيارات المنحرفة انحرافاً واضحاً كيف تستهوي كثيراً من الشباب وغيرهم إلى أنفسها، وتصرفهم عن الاتجاهات المعتدلة والمستقيمة في الحياة للإيمان بأفكار وسلوكيات ومناهج خاطئة بوضوح.

وإذا لاحظنا عنصر الاعتقاد وجدنا تسخير كل صاحب عقيدة ـ حتى الاعتقادات المبتدعة ـ هذه الوسائل لجلب جماعة والتأثير عليهم، وهو ما كان مؤثراً فعلاً في فريق من الناس.

وإذا لاحظنا عنصر الأخلاق فمن المعروف التحديات التي تمثلها هذه الوسائل لأخلاق الأطفال والمراهقين والشباب، بل والمراحل العمرية من بعد ذلك.

إضافة إلى ذلك ما يجده الإنسان المؤمن بالدين من تحديات تجاه ما يبني عليه من الرشد والحكمة والاعتقاد الصحيح والأخلاق السليمة وفق المنظور الديني الموافق للفطرة الإنسانية.

ولذلك كان لزاماً على المؤمنين من منطلق واجبهم تجاه أنفسهم وأولادهم ومجتمعهم عملاً بفريضة التعاون على البر والتقوى والسعي إلى نشر المعروف وهجر المنكر من الاهتمام بتدبير هذه النقطة، كلّ وفق ميسوره ودائرة تأثيره من الأسرة والمجتمع الخاص أو العام ووفق المواقع التي يكون فيها مثل موقع الأبوين في الأسرة وموقع المعلم والمربي في المدرسة وموقع الخطيب والعالم في المجتمع، بل موقع الزميل والصديق في المدرسة والسوق وموقع رجل الدولة في المسؤوليات المنوطة به فيها ونحو ذلك، ويصدق في هذا الشأن حقاً مقولة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المعروفة: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).

والانتباه إلى هذه الفريضة وضرورتها وأهميتها وأبعادها هو بنفسه أول واجب على الإنسان في الموضوع.

وأما الخطوات العملية في هذا الشأن:

١- ملء الإنسان أوقاته بأعمال هادفة وسامية وناظرة إلى تأمين مستقبله الدنيوي والأخروي ــــ فإنّ الانتباه إلى المستقبل والتفكير في عناصر النجاح والسلامة والسعادة فيه والاهتمام بالإعداد له بعيدا عن الاستغراق في اللهو أو اللامبالاة بالوقت أو مشاعر اليأس والإحباط ــــ مؤثرٌ في صيانة الإنسان عن خطر المزالق وصدوده عن جموح الرغبات، وتشتت همومه بين أمور غير نافعة، فلا بدّ من التفكير لمستقبل ملائم يعطي معنى للحياة ويرسم له أفقا مأمولا ينير الإنسان فيما يراوده من أفكار وهواجس ويوجه سلوكياته وأعماله في ضمن رؤية للاستقرار والنجاح والارتقاء والتكامل.

٢ـ الحضور المؤثر والملائم في مسرح الأحداث كلٌّ حسب استطاعته وفق قاعدة: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ]، فالغياب عن المشهد هو غياب مطلق عن التأثير.

٣ـ دراسة الأدوات الملائمة وفق المبادئ الدينية والتربوية الاجتماعية والنفسية ــ من المتخصصين ــ، ووضع مناهج مناسبة للتأثير على المجتمع في الاتجاه السليم.

٤ـ تكاتف الجهود تحقيقاً للتعاون على البر والتقوى، لأن كثيراً من المسؤوليات لن تتحقق بالجهد الفردي، وهو يقتضي الاهتمام بمبدأ الإدارة والكفاءة وغياب نزعات التصدر والمصالح الشخصية.

٥ـ إيجاد بيئات ملائمة يمكن للمرء أن يعيش فيها ويتأثر بأجوائها ويمنع من احتضان بيئات مغايرة له، لأن البيئة التي يعيش فيها الإنسان لها دور كبير في صيانة أفكاره ومعتقداته وأخلاقياته.

٦ـ الاهتمام ببناء الإنسان لنفسه ــ خاصة من يكون في موقع مؤثر من جهة التأسّي به والنظر إليه، فوجود نماذج صالحة حقاً وليست مرائية في كل وسط بأداء صامت له أبلغ الأثر على الآخرين الذين يشهدونه، وإلى ذلك أشير في قوله تعالى عن دعاء المؤمنين: [وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا]، فكل إنسان صالح في الأسرة والمجتمع والمدرسة والجامعة يكون له تأثير إيجابي في اتجاه الصلاح على الآخرين.

وبعد فإنّ الإنسان المؤمن يجد في مبادئ الإيمان وقواعده والممارسات الإيمانية والبيئة المؤمنة عوناً على إنجاز أيسر لهذه المهمة، وقد قال الله سبحانه: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ].