محاولة في فقه النص والحدیث.. توصیة عن مقام الأم

علي الحكيم - لندن

يقول القرآن الكريم: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" 

يقول الكاشاني في التفسير المنسوب إلى ابن عربي: 'قرنَ سبحانه وتعالى إحسان الوالدين بالتوحيد وتخصيصه بالعبادة لأنه من مقتضى التوحيد لكونهما مناسبين للحضرة الإلهية في سببيتهما لوجودك وللحضرة الربوبية لتربيتهما إياك، عاجزاً، صغيراً، ضعيفاً لا قدرة لك ولا حراك بك، وهما أول مظهر ظهر فيه آثار صفات الله تعالى من الإيجاد والربوبية والرحمة والرأفة بالنسبة إليك، ومع ذلك فإنهما محتاجان إلى قضاء حقوقهما والله غنيّ عن ذلك، فأهمّ الواجبات بعد التوحيد إذن إحسانهما والقيام بحقوقهما ما أمكن.'

قالت سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام): الزم رجلها، فان الجنة تحت أقدامها!  (كنز العمال، ج ١٦، ص٤٦٢).

في هذه الرواية التي تخاطب فيها سيدة نساء العالمين (ع) احدهم فيما يتعلق بأمه فتأمره أمراً هاماً يتعلق بالأمهات. إنها تأمره أن يلزم رجلها، لأن الجنة تحت قدميها. من هنا يتفرع الحديث الى جهتين؛ الاولى: أنه يلزم رجلها تتضمن معاني تربوية وأخر أخلاقية، تشير الى مدى الاحترام الذي ينبغي أن يتحلى به المؤمن تجاه أمه، فان الرِجل التي هي أسفل القدم، وتكون أسفل شي من أعضاء الإنسان، لكن من الضروري احترام الأم وذلك لأنه قد جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات، وإلا فلا يقصد من القول بأنه يلزم على الرجل، بل ان يلزم الرجل معناها ان يحتضنها، ويحترمها، وما الى ذلك.

الثانية: قد يقال أن جعل الجنة تحت الأقدام، يعني أن الأمهات في مرتبة عليا في الجنة، وذلك لأن ما تحت أقدامها هو الجنة فهي اذاً في مرتبة أعلى من الدرجة السفلى من الجنة، ولكن هذا المعنى الحرفي ايضا ليس هو مقصودا، بل المقصود هو التقديس والاحترام لدور الأمومة في بناء المجتمع و في تهيئة أجيال المستقبل.

تطبيق من الحياة 

في الحياة العملية نتفهم هذه المعاني في سياقها المعقول، لكن قد يقول بعض السذّج ان هذا المقام الرفيع هو للأمهات بمطلق مقام الأمومة حتى لو كانت الأم منحرفة، وربت أولادها على الانحراف، وعدم التقوى، ومناصبة القرآن وأهل البيت (ع) العداء، ولم تزرع الفضيلة في نفوسهم وقلوبهم! فهل يصح هذا الكلام؟

الجواب: قطعاً لا يصح، فان الرواية وإن كانت عامة وتعظم مقام الأمومة، لكنها مقيدة بقيود الالتزام والاستقامة والإيمان والتقوى، وإلا فلو كانت الأم تعلم الأبناء على الكفر والفسوق والعصيان، فإنها غير مشمولة بهذه الدرجة من المقام الرفيع.