المسلمون في ايطاليا.. صعوبة الاندماج

ناصر الخزاعي

أصبح حضور الاسلام في أوربا اليوم –وبحسب تعبير علماء الاجتماع الاوربيون أنفسهم-  نقطة تحول في تاريخ أوربا الحديثة لما يشكله هذا الحضور من تغير في علاقة الإسلام بالغرب المسيحي العلماني، حيث كانت هذه العلاقة بالأمس عبارة عن حديث عن (الاسلام وأوربا ) واليوم تحولت الى حديث عن( الاسلام في أوربا) وعن الاسلام الأوربي، وعن الاسلام الحاضر بقوة في أوربا دون تفكير بالعودة ، وليس كما كان المسلم يحضر بالامس إلى اوربا سائحا أو دارسا أو متطببا.

وتعد ايطاليا من أكثر البلدان الأوربية حضورا للمسلمين على أراضيها عبر التاريخ، حيث دخل المسلمون جزيرة صقلية الايطالية ورفعوا  كلمة (لا اله الا الله ) منذ أكثر من عشرة قرون، ولكن هذا الحضور تراجع كثيرا في القرن التاسع عشر والقرن العشرون وظل الايطاليون ينظرون للمسلمين على أنهم أعداء ينبغي الحذر منهم وينبغي أن يحسب لهم ألف حساب، ولا سيما بعد الحروب الصليبية وما خلفته من أعداد كبيرة من القتلى في صفوف الايطاليين الذين رافقوا حملات الفرنجة الى البلاد الاسلامية بتأثير من القساوسة والبابوات الايطاليين الذين كانوا يشعلون الحماس بخطبهم من أجل الذهاب للمشرق العربي وتحرير بيت المقدس من دنس (كفار) المسلمين كما كانوا يرددون، هذا فضلا عن كثرة الحروب البحرية التي خاضتها روما عاصمة البيزنطينيين مع الدولة العثمانية من أجل السيادة على الممرات المائية المتحكمة بالتجارة العالمية قبل قرون.

غير أن العصور الحديثة سجلت أول حضور للمسلمين المهاجرين الى ايطاليا مع السبعينيات من القرن الماضي حيث هاجر الآلاف من المسلمين الفلبينيين والاندنوسيين الى ايطاليا، ثم أخذت الآلاف الأخرى من المسلمين تتوافد على هذا البلد من المغرب وتونس والجزائر وبلدان الشرق الأوسط كسوريا وفلسطين اللتين يرجع الفضل لرعاياهما العرب المسلمين في بناء أول مسجد اسلامي حديث في روما في سبعينيات القرن الماضي، وهو المسجد الذي لقي اعتراضات شديدة من بعض رجالات اليمين الايطالي المتطرف تمثلت بالمظاهرات الكثيرة التي طالبت الحكومة الايطالية بتفسيرات مقنعة لسماحها ببناء صرح اسلامي في قلب العالم المسيحي!!!!

وإذا كان العرق البنجابي ، وتحديدا الباكستاني هو العرق المهيمن على مجموع مسلمي بريطانيا مثلا؛ فإن مسلمي ايطاليا ينحدرون من جماعات عرقية اسلامية متنوعة ومتكافئة من ناحية عدد الأفراد، حيث يأتي المغاربة في الدرجة الاولى يليهم الألبان،  غير أن  مسلمي ايطاليا لا توجد لهم في هذا البلد احصائيات دقيقة ومنضبطة، إلا أن الباحثين المعنيين بالأمر يقدرون عدد مسلمي ايطاليا بما يقترب من المليوني مسلم ويحصل نصف هؤلاء تقريبا على بطاقة الاقامة الداخلية في ايطاليا التي تعد مقدمة للحصول على الجنسية الايطالية التي حصل عليها فعليا ما يقارب الثلاثين الف نسمة من المسلمين المهاجرين بالإضافة الى الايطاليين الاصليين الذين يقترب عددهم من الـعشرة آلاف ايطالي معتنق للإسلام ومؤمن بتعاليمه رغم الحصار الثقافي الممارس ضد الاسلام والمتمثل بالهجمة الاعلامية الشرسة ضد الاسلام بقيادة مافيات الميديا الاسرائيلية والامريكية والمؤثرة بالرأي العام الأوربي عموما وبالرأي العام الايطالي على وجه الخصوص.

ويتشكل البيت الاسلامي في ايطاليا من المسلمين المهاجرين وبعض الإيطاليين الذين اعتنقوا الاسلام واتخذوا من مدينة نابولي مكانا للعيش، ولديهم جريدة يومية تصدر بالإيطالية بعنوان (آلبورو إسلام) . ويعمل مسلمو ايطاليا في مهن عديدة تجمع بين التجارة والأعمال الحرة ، بينما تغلب مهنة الطب عند الايرانيين منهم على وجه التحديد.

ويتعبد هؤلاء المسلمون بما يقرب من 150 مسجدا موجودا في عموم الأراضي الإيطالية، وأعظم هذه المساجد هو (المسجد الكبير) في حي (مونت أنتين) الذي افتتح سنة 1995في العاصمة روما يليه من ناحية الحجم (مسجد الرحمن) الذي افتتح سنة 1988في ميلانو، وقد استطاعت هذه المساجد على اختلاف مموليها ومواقعها الجغرافية أن تكون النواة الأولى لتشكيل حركات اجتماعية وثقافية ذات طابع دعوي سلمي كحركة التبليغ وحركة الاخوان وحركة (ملي غورش التركية) وكالمجلس الاسلامي الايطالي، وحركة (كوريس) الخاصة بالمسلمين المنحدرين من أصول ايطاليّة وغيرها من الحركات الأخرى المساهمة في نشر الوعي الاسلامي والقيام بالتعبئة الايديولوجية للأفراد المنضويين بين صفوفها .

وبالرغم من كثرة مسلمي ايطاليا وكثرة الحركات والمؤسسات القانونية والشرعية الممثلة لهم كمجاميع مندرجة ضمن النسيج الوطني الايطالي إلا أن المسلمين لا زالوا لا يتمتعون بالحقوق الكاملة التي تنصفهم كإيطاليين أو كمواطنين مقيمين على الأراضي الايطالية، فالوجدان الشعبي ومؤسسات الدولة القانونية لازالت تنظر للمسلم على أنه خطر داهم قد ينفجر في أية لحظة وقد زاد من هذا الشعور وجود بعض الشخصيات المتطرفة من المسلمين بالمعتقدين بالإسلام السياسي من الفلسطينيين والجزائريين والمصريين خصوصا، لكن الغالبية العظمي من مسلمي ايطاليا اثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم مواطنون مسالمون موادعون وملتزمون بالقوانين الحكومية الايطالية، وإن كانوا غير ميالين للاندماج الكلي في المجتمع الايطالي المنفتح.

وربما يستطيع أفراد الجيل الثاني من مسلمي إيطاليا وهم أولاد المهاجرين الأوائل الذين تعلموا في المدارس الايطالية وأتقنوا اللغة كسائر الايطاليين الأصليين، ربما يستطيع هؤلاء المبادرة في حمل هموم وآلام وآمال عموم المسلمين في الأراضي الايطالية إلى القنوات الرسمية وشبه الرسمية، كما أن هذا الجيل قد تكون لديه القدرة أيضا على إعادة تشكيل المواقف الرسمية والشعبية في إيطاليا حول الاسلام والمسلمين، وبإمكانهم من خلال معرفتهم الدقيقة بالكيفية التي يفكر بها الإيطاليون تغيير النظرة الحالية وغير الواقعية، وهي التي تعامل الاسلام والمسلمين على أنهم عضو يقع خارج الجسد الايطالي ومن الصعب تكييفه وتذويب أفراده داخل البوتقة الإيطالية، ولا ننسى بطبيعة الحال المسلمين الذين اعتنقوا الاسلام من أصول ايطالية فهؤلاء وبما أنهم دخلوا الاسلام عن دراية وقناعة والتزموا بتعاليمه السماوية السمحاء فهم دعامة وحصانة للمجتمع المسلم في ايطاليا حينما تستبد رياح الغير وحينما يتهم باتهامات باطلة القصد منها ضرب دين بكل تعاليمه السمحاء والحط من قيمة أفراده بغض النظر عما إذا كانوا خيرين أو أشرار، صالحين أو طالحين!