الامام الحسين (عليه السلام) مدخلا لفهم التاريخ وتشكيل الهوية

زكريا داوود

كتب آولفين توفلر(1928م/...) كتابه الرائع (صدمة المستقبل) لقراءة واستشراف أنماط التفكير والسلوك في حياة البشر مستقبلاً، وانطلق في تشخيص ذلك من خلال قراءة متأنية للماضي والحاضر، وقد كان دقيقا في الكثير من آرائه حول تغير أنماط التفكير والسلوك لدى البشر، ويمثل علم استشراف المستقبل غاية في الأهمية لدى الدول المتقدمة، كونه يساعد على تكوين رؤية واضحة بالنسبة لوضع استراتيجيات سياسية واقتصادية تسعى للسيطرة على الدول الأقل تقدماً.

وحتى يمكننا تجاوز الأزمات العميقة والكبيرة التي تواجه الأمة في كل نواحيها علينا أن نعيد قراءة واقعنا وما يمكن أن يؤدي إليه مستقبلاً، لكن هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الموضوعية والحيادية في النظر للموضوعات التي يتشكل من خلالها واقعنا.
إن واقعنا يشكل هويتنا ويصوغ عقلنا الجمعي بما يحمل من تعقيدات فكرية وسلوكية، وبقدر ما يشكل الواقع من إشكالات فهو يمكن أن يكون دافعاً أو عائقاً أمام نهوضنا.
لكن هذا الواقع هو انعكاس للماضي، بل هو استحضار له في العديد من جوانبه، ولعل هذه الإشكالية تمثل عائقاً كبيراً أمام نهوض الأمة وتقدمها، إذ يتم النظر للواقع من زاوية مشوّهة من تاريخنا، فمن المعلوم أن هذا التاريخ كتبته السلطة المستبدة ومن خلاله صاغت عقل المجتمع وسعت بكل جهدها لتطويع الأمة وتطبيعها مع الثقافة المستبدة، والنظر إليها كقدر وضرورة حياتية.
وهنا كان الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) (4هـ/626م-61هـ/680م) القائد النافذ البصيرة الذي رأى أن مستقبل الأمة في ظل المنظومة المعرفية الأموية يعني العودة للجاهلية والتخلف الحضاري والانحراف التام عن قيم الإسلام ومبادئه، وحتى يحقق الإمام النجاح التام في إحداث قطيعة حقيقية مع تلك المنظومة كان لا بدَّ من التخطيط لنهضة شاملة تبدأ من إيقاظ الضمير وكشف حقيقة أهداف الفكر الأموي تجاه الإسلام وقيمه ومبادئه وممثليه الربانيين.
ولم تكن هذه مهمة سهلة في ظل سيطرة أموية تامة على مقدرات الأمة وتلبسها بمظاهر إسلامية واستخدامها أدوات معرفية دينية من خلال شخصيات كان لها حضور في مرحلة التأسيس المعرفي والسياسي الإسلامي، لكن الإمام الحسين -ع- كان يراقب حركة الأمويين ويعرف نواياهم وأهدافهم ويعرف كيف يواجههم وينتصر عليهم، لأن معركته مع الأمويين هي كمعركة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في بدر، فلا مجال إلا النصر لأنه يعني بقاء الدين وديمومته في حاضر الأمة ومستقبلها.
وللحفاظ على الإسلام حياً في نفوس الأمة اتخذ الإمام(عليه السلام) إستراتيجية ذات ‎أربعة أبعاد هي:
• تكريس الخط الرسالي في حياة الأمة والمتمثل في أهل البيت(عليهم السلام).
• فضح وتعرية الخط المناوئ للإسلام وكشف خططه المعادية ومؤامراته وشخصياته.
• صياغة العقل المسلم من خلال مفاهيم وقيم ومبادئ الخط الرسالي.
• خلق ممانعة فكرية ونفسية واجتماعية ضد كل أشكال الاستبداد والظلم.
وتمثل النقطة الرابعة أ‎همية كبيرة جداً في الحفاظ على حيوية الدين ومفاهيمه وقيمه، لأن ما تسعى إليه الأنظمة المستبدة هو جعل المجتمع يرتبط بمنظومتها الفكرية والعقائدية ليكون من السهل جداً تطويعه لإرادتها وقبول سياساتها.
لقد أوضح الإمام(عليه السلام) الاختلاف التام بين منظومتين، منظومة تمثل رسالات الله في الأرض وتسعى للإصلاح وخلق أمة مؤمنة رسالية تحمل على عاتقها هداية البشر لقيم الإسلام ومبادئه، ومنظومة فكرية عقائدية سياسية تمثل راية إبليس في الأرض وتحارب وتعادي المنظومة المعرفية الرسالية، وتتمثّل الأولى في رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)(52 ق.هـ -571م/11هـ - 632م) وعترته، والثانية في الاتجاه الأموي الذي حارب وعادى الإسلام منذ انطلاقته الأولى في مكة المكرمة، وقد كان رأس القيادة الجاهلية في حرب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة تتمثل في أبي سفيان (63ق.هـ/560م-30هـ/652م) وأبنه معاوية (15ق.هـ/602م–60هـ/680م) الذي ظلَّ محارباً لمن نصبه الله خليفة وقائداً للأمة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) (23 ق.هـ/599م – 40هـ/661م).
يقول الإمام الحسين(عليه السلام) وهو يوضِّح هذه الحقيقة: عن بكر بن أيمن عن الحسين بن علي: إنا وبني أمية تعادينا في الله، فنحن وهم كذلك إلى يوم القيامة، فجاء جبرائيل براية الحق فركزها بين أظهرنا، وجاء إبليس براية الباطل فركزها بين أظهرهم.