الشائعات.. ما هي ولماذا تنطلق وكيف نتصدى لها؟

صباح الطالقاني

للشائعات تعاريف عديدة، لكنها اجمالاً تعني حديث او رأي ينتشر بين أفراد المجتمع دون تحديد مصدر له للتحقق من صحته، وبمعنى أدق هي عبارة عن خبر أو معلومة غير مؤكدة - قد تكون صادقة أو كاذبة أو مبالغ في دقتها- تنتقل من شخص إلى شخص آخر لتتحول الى موضوع اجتماعي عام ضمن حيز معيّن…

ويمكننا أيضاً ان نصوغها ضمن قالب اعلامي فتكون، عبارة عن قصة مقدَّمة للتصديق تنطوي على اشارة موضعية دون أن تكون هنالك معايير أكيدة لصحتها، وتفيد هذه الصياغة في اعانتنا على التمييز القاطع بين الخبر والاشاعة.

وإذا كانت (الشائعة) مستمدة من الفعل الثلاثي شاع، فأن (الإشاعة) من الفعل الرباعي أشاع، وتعني أنها محمولة ومنقولة بواسطة أفراد متطوعين أو مكلفين بقصد او دون قصد، وبالوسائل والأساليب المختلفة التي تجعل منها مادة سهلة الانتشار سريعة التأثير.

وتبرز الإشاعة في أجواء الترقب والتوقع وعدم الاستقرار وانعدام الثقة، وسوء الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتفشي ظاهرة البطالة والتدهور الأمني..

تساؤلات

ما هي الأسباب الدافعة لمروجي الإشاعات في تلفيقها والحرص على انتشارها بين قطاعات معينة من أفراد المجتمع؟ وما هي الآثار الأمنية والاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية التي تتسبب فيها الإشاعات التي تنتشر بين الحين والآخر في وسائل الإعلام المختلفة؟ أو بين وسائل التواصل الاجتماعي وتؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في تغيير اتجاهات أفراد المجتمع، نحو قضايا مختلفة ذات مساس مباشر بحياتهم؟

كيف تتكون الإشاعة

مدرب التنمية البشرية د. ماهر حميد يفيد بأن" الاشاعة تصدر عادة على شكل خبر يستهدف شيء معين لإحداث حالة ارباك وفوضى تؤدي الى تحقيق أهداف الجهات التي أطلقت الاشاعة، وهذا الخبر يأخذ مساره داخل المجتمع من خلال وسائل اتصال معينة، مرة تكون وسائل اتصال اجتماعية كالاتصال الجماهيري ومرات اخرى تتمثل في وسائل اعلام فئوية مسموعة او مقروءة او حتى مرئية، وهذا النوع من الاشاعة يكون خطر جدا لأنه يعمل عمل (كرة الثلج) يبدأ الخبر فيها صغيرا وينتهي كبيرا جدا، لأنه في كل انتقالة يأخذ اضافات معينة من وحي المجموعة التي تقوم بنقل هذا الخبر لينتهي إلى الفئة المستهدفة بشكل كبير.

وتنتشر الاشاعة عن طريق الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة مضافاً اليها تكنولوجيا الاتصال والتواصل، وهذه الاخيرة هي اخطر من غيرها، بسبب كثرة تداولها داخل المجتمع وسرعة نقل الخبر فيه، وهنا تطلق الاشاعة بشكل مدروس وداخل فئة معينة وهذه الفئة تطلق الخبر كما هو وهنا لا يحتاج الى تداول وانما يطلق على شكل خبر كبير ويبقى. فمثلا عندما يحصل انفجار في مكان ما ينقل الخبر بأوسع حجم وأبلغ أثر ليصل الى الفئة المستهدفة ويقع موقع الصدمة العنيفة على نفس قارئه.

ويبين د. ماهر بعض العوامل الاجتماعية التي توفر الأجواء لانتشار الاشاعة وكذلك الحد منها فيفيد" ان المجتمع الذي ليس لديه معرفة قوية، وليس لديه جذور علمية، ويتلقى معلوماته من خلال الاعلام ومن خلال أحاديث الناس فقط دون تروِ وتمحيص فإن الاشاعة تنتشر فيه وتتمكن منه، ولكن عندما يكون لدينا مجتمع علمي رصين متعلم ومتنور لا يأبه لأية أخبار غير مؤكدة او ثرثرات على ألسن الناس ولا يسمح للأخبار غير المنطقية ان تتداول فيه فإن الاشاعة ستخفت وتنتهي دون تأثير.

وهنا نؤشر الى ضرورة وجود معايير وعي وثقافة علمية تكون راسخة في أذهاننا وتعمل على شكل مرشحات للأخبار التي نستمعها او نشاهدها، وكذلك يمكن مواجهة الاشاعة من خلال ثقتنا بأنفسنا وأن لا نضع الهزيمة نصب أعيننا وأن تكون لدينا الثقة الكافية للتمييز بين الأخبار الكاذبة والصادقة، وهذا نحتاجه اكثر مما نحتاج الى ردود أفعال متسرعة، لأن ردود الأفعال غير المدروسة انما هي واحدة من الأغراض التي يريد تحقيقها مُطلق الاشاعة.

انتشار الإشاعة مرتبط بوعي المجتمع

الاختصاصية في الإشاعة والحرب النفسية الدكتورة جليلة، تبيّن ان" الاشاعة تنتشر بسرعة كبيرة في أوقات وظروف معينة في منطقة او بلد معين عندما يكون هناك عدم استقرار أمني أو اقتصادي او سياسي وخاصة في أوقات الحروب، وإذا ما أخذنا الوضع في العراق على سبيل المثال فان المؤشرات تدل على عدم الاستقرار، وهذا ما يسهل انتشار الاشاعة التي تكون قابلة للتصديق من قبل جمهور يشكل الأغلبية، حيث الوعي والتصدي المعرفي والعلمي يكون محدودا.

ولكن بمرور الوقت تتكون لدى افراد المجتمع وسط الظروف غير المستقرة مناعة من استقبال الاحاديث غير موثوقة المصادر، حيث تتراكم هذه الحالات وصولا الى جعل المواطن يتفحص الخبر ويبحث عن أصله وهوية القائل او الجهة التي انطلق منها ومن ثم يحدد قناعته استنادا الى ثقته بالمصدر...

وعموماً فان الإشاعات عادة ما تكون قليلة الفعالية إن لم تكن منعدمة تماما في المجتمعات التي تشهد وعيا ثقافيا وتطورا حضاريا وثقة اكبر لدى مواطنيها برساخة الأنظمة الادارية، وبالثقة الممنوحة للجهات التي تتصدى للمسؤوليات في المؤسسات المختلفة، حيث القانون يبسط أذرعه فيكون فيصلا بين الحقيقة والإشاعة...