إخلاصُ النيَّة

صادق مهدي حسن

مِن كلامٍ لإمامنا أمير المؤمنين عليٌ (عليه السلام): ((لَو خَلُصَتِ النياتُ لَزَكتِ الإعمالُ))..وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)) : (( لا يكونُ العَبدُ عابداً لله حقَّ عبادته حتى يَنقطع عن الخَلق كله إليه، فحينئذٍ يقول هذا خالصٌ لي فيتقبله بكرمه)) .

فما هو الإخلاص؟

المراد بالإخلاص في النية هو أن يكون الهدف الأسمى من وراء العمل فكراً وسلوكاً وتوجهاً هو الله تعالى فقط ، ونجد في كتاب الله تعالى وروايات النبي الأكرم وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) أن عنصر الإخلاص هو في أعلى مراتب الأهمية فهو دعامة أعمال الإنسان التي لا يُقبل العمل إلا بها، وهو من أهم الخطى في عملية التربية والتهذيب والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى.. و تختلف درجات الإخلاص باختلاف درجات الإيمان وفي ذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((بالإخلاص تتفاضل مراتب الإيمان))،وينصُّ الأمام علي (عليه السلام) في مضمون كلامه أنَّ كمال التوحيد هو الإخلاص لله..

وللإخلاص معطيات كثيرة ومن أهمها ما وَرَدَ في الحديث المبارك ((ما أخلصَ عبدٌ لله عزَّ وجل أربعين صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه)).. ومما يمنع الإنسان من الوصول إلى تحصيل الإخلاص هو الهوى و النفس الأمّارة بالسوء ووساوس الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق وفي هذا يقول إمام المتقين(عليه السلام) : ((كيف يستطيع الإخلاص من يَغلِبُه الهوى))..و يذكر الإمام الباقر(عليه السلام) أن قلة العقل هي من أسباب الرياء وعدم الإخلاص فيقول : ((ما بين الحق والباطل إلا قلة العقل. قيل وكيف ذلك يا أبن رسول الله.. قال إن العبد يعمل العمل الذي هو لله رضىً ،فيريد غيرَ الله، فلو أنّه أخلص لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك)).

في رسائلهم العملية .. يعرِّف الفقهاء النيَّة بألفاظ متقاربةٍ  وبمضمون واحد، ومن تعريفاتهم لها ((هي أن يُقصد الفعل ويكون الباعث إلى هذا القصد أمرُ الله تعالى من دون فرق بين أن يكون ذلك بداعي الحب له سبحانه أو رجاء الثواب أو الخوف من العقاب ويعتبر فيها الإخلاص)). وتعد النية شرطاً وركناً في جميع العبادات. و يذكِّرني شرط الإخلاص في النية بقصةٍ أرويها لكم :

" دُعي بعض الأصحاب يوماً إلى وجبة غداء في بيت صديقٍ لهم في مناسبة معينة.. وفي الأثناء أعلن المؤذن وقت الصلاة التي توجَه الأخوة المدعوون إلى أدائها بعد أن أنهوا طعامهم ، ولكن أحَدَهُم.. بدأ ينظر بحَيرةٍ لا مثيل لها وقد ضاقت عليه الأرض بما رحُبَت.. ودارت عيونه في رأسه وتلفت بارتياب وارتباك كمن ضلَّ طريقه في أوسع الفلوات ، وشوَّشت ذهنه أفكارٌ ألجَمَت لِسانه وكأنـَّه أُلقِمَ حَجَراً فلا يَدري ماذا يقول !! .. إنَه في مأزق مُحرجٍ مُخجِل، فهو تاركٌ للصلاة بل هو  - و رغم تجاوزه العقد الثالث من عمره- جاهل بأفعال الصلاة وأركانها وأجزائها وأذكارها والعياذ بالله..

وأضحى المِسكينُ في وَضعٍ لا يُحسَدُ عَليه وهو أمام خَيارَين: أما أن لا يصلي وفي ذلك (فضيحة وشنار) له بين أصدقائه، أو أن يصلي مراعاةً لذلك الظرف الطارئ ، وهنا حصلت المفاجأة.. إذ توضأ هذا الرجل واستقبل القبلة وشرع في (الصلاة) ولكن قربة إلى من .. ؟! حركاتٌ ليس إلا لكي لا يُوصف أو يظهر أمام المجتمع بأنّه تاركٌ للصلاة.. وبهذا فقد جعل الله تعالى أهون الناظرين إليه، وكان همّه أن ينظر الناس إليه بعين الرضا لا أن يكون مرضياً عند الله سبحانه وتعالى ".

 وهنا لا بد من همسةٍ في أُذنه وأُذن من هم على شاكلته ممن لا يؤدي فرائض الله التي فرضها على عباده أو ممن يتصنع العبادة أمام الناس.. فنقول: إن كنت تكذب على نفسك أو على الآخرين فلا تكذب على ربِّ العالمين الذي ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) وتذكر إنَّ الحرج الحقيقي والمأزق الأعظم هو ((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) عندما يُنادى على المرائي : يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر.. فالله سبحانه وتعالى أولى بالحياء من الناس لأن مقادير الأمور بيده سبحانه ، ونحن في قبضته وتحت سلطانه وجبروته ..اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، يا أرحم الراحمين.