الطاغوت والتضليل

نزار حيدر

إن الناس عادة ما ينظرون إلى الأمور بشكل سطحي فلا يتعمقون بالعواقب وما تؤول إليه الأمور، ولذلك نرى أكثرهم يقفون مع المنتصر والفائز بغض النظر عن جوهر الانتصار والفوز، ومن دون البحث في حقيقته.
 ولذلك فان الطغاة يشيعون دائما وراء كل فوز أو انتصار بأن ذلك دليل على أنهم على حق، وان ما حققوه من انتصار على (العدو) كان من الله ليوهموا الناس بأنهم يضربون بسيف الله ويحكمون بإرادة الله، ولذلك فهم ظل الله في الأرض، فلا يحق لأحد بعد كل هذه الأدلة والبراهين أن يخرج عليهم بقول أو فعل؟.
   لقد خاطب (الرئيس العراقي الأسبق) احمد حسن البكر وفد أهالي مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف عندما زاره في القصر الجمهوري في العاصمة بغداد بُعيد انتفاضة صفر المظفرة في عام (1977) والتي كان النظام البائد قد قمعها بشكل تعسفي راح ضحيتها المئات من الشهداء والسجناء، خاطبهم بهذا المنطق عندما قال لهم (إن تمكننا من الغوغاء والسيطرة على الأوضاع العامة، دليل على أننا على حق وان الله تعالى معنا، فلماذا يحاول الناس بين الفترة والأخرى إزاحتنا عن السلطة)؟.
   وهكذا ظل الطاغية الذليل صدام يسجل (الانتصارات) الواحد تلو الآخر، فتارة على شعبنا الكردي في الشمال، وأخرى على شعبنا العربي في الوسط والجنوب، وثالثة على جارنا الشعب الإيراني في الشرق ورابعة على شقيقنا الشعب الكويتي في أقصى الجنوب، وظل يخدع السذج والبسطاء من العراقيين، والمنتفعين والمنافقين من  (أمة العرب المجيدة) فماذا كانت المحصلة النهائية لكل تلك (الانتصارات)؟ والجواب هو إخراجه من بالوعة ضائعة وسط الصحراء خائفا ذليلا ترتعد فرائصه.
   إن الطاغوت يبذل عادة كل جهد ممكن من اجل خداع الناس وتضليلهم، من اجل إقناعهم بأحقية موقفه وقراره في كل الأحوال، ولذلك تختلط المفاهيم والعبارات عند الناس وهم يستمعون إلى إعلام الطاغوت، كما هو الحال اليوم مثلا مع الفكر الوهابي الذي يصدر فقهاؤه الفتاوى لخدمة أهدافه الضالة وأجنداته المشبوهة، لقتل عقل الإنسان قبل قتله جسديا.  
   إن دعاية الطاغوت تخلط الأوراق في عقول الناس، من اجل أن تقلب المفاهيم والمعاني، فإذا بسبط الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحول إلى خارجي وبنت الرسالة إلى أسيرة والحق باطلا، وشارب الخمر وقاتل النفس المحترمة واللاعب بالقرود إلى أمير للمؤمنين!!، ثم تقلب الدعاية الهزيمة إلى نصر والنصر إلى هزيمة، وكل ذلك من اجل تضييع الحقائق، بعد الاستخفاف بعقول الناس.
   إذن، ليس كل منتصر، له كرامة عند الله تعالى، كما انه ليس كل مهزوم له هوان عليه سبحانه وتعالى أبدا، فلقد قتل الأنبياء والرسل والصالحون والأولياء على مدى تاريخ البشرية، وقتل قابيل هابيل، كما انتصر الطغاة الجبابرة والقتلة والمجرمون والحكام الظالمون، فماذا كانت النتيجة؟ وهل يعقل أن نقول بأن الضحايا كانوا دوما أهون على الله تعالى من الطغاة والجبابرة؟ بالتأكيد كلا وألف كلا؟.
   ولو كان النصر دليل أحقية صاحبه، فهذا يعني أننا يجب أن نسلم بأحقية إسرائيل التي حققت الانتصار تلو الانتصار على العرب والمسلمين في كل حرب دخلتها معهم، منذ العام 1948 ولحد الآن، فما رأيكم أيها العرب والمسلمون؟ هل تسلمون بحقها؟ أم تغيرون طريقة تفكيركم، وتعيدون النظر في متبنياتكم ومسلماتكم؟.