المودّة في القربى

الشيخ ضياء الدين زين الدين

الأجر: هو ما يعود إلى العامل من ثواب العمل سواء كان دنيويا أو أخرويا والمودة: هي المحبة المستتبعة للمراعاة والتعاهد أي بتقيد المحبة بشؤون محبوبه ورغباته والقرى هي القرابة في النسب(المفردات، ص11 - 399).
إن خط الأنبياء جاء ليمنح الأرض عطاءات السماء بالنحو الذي يؤكد للأرض حاجاتها إلى خالقها وأن الله تعالى غني عما في أيدي الناس فكيف يطلب الأنبياء من الناس أجرا ً وهم رسل الله تعالى.
والغرض من ذلك هو إزالة ما يعلق بأذهان الناس أحيانا من الوهم بأن الأنبياء جاءوا لأمر دنيوي وأنهم بصدد منافسة الناس في ذلك مما قد يكون سببا من أسباب امتناعهم عن الإيمان بالله سبحانه.
والآية تشير إلى قدر وعظمة القربى وهم أهل بيت النبي (صلوات وسلامه عليه وعليهم) وهو لم يسأل أجرا لكي ينتفع به هو وإنما جعل هذا الأجر هو منفعة للناس قوله تعالى: (فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ)( يونس، 72).
وكأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طلب من الأمة أن تنفع نفسها ثم جعل هذه المنفعة وكأنها أجر له، وبتعبير آخر فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اراد ان يقول للأمة أن أردتم ان استوفي حقوقي منكم فأنني استوفيها عندما اجدكم في قوة واستقامة وصلاح ولا تكونون كذلك الا بمودة اهل البيت (عليهم السلام) ولذا اطلب منكم مودتهم . وهذه نهاية العطف والتدبير لشأن الأمة ومستقبلها وغاية التفاني في سبيلها.
 ومن جانب آخر نفهم من الآية معنى(المماثلة) فإن من المعلوم أن لكل أجير أجرا  يماثل أداءه وتعبه في العمل، وكأن الآية تقول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن تحملك للمصاعب وتبليغك للقرآن لهو عمل عظيم وينبغي أن يكون أجرك أيضا عظيما ولن يكون هذا الأجر عظيماً إلا بمودة اهل البيت (عليهم السلام) فضلا عن أن مودة أهل البيت هي بالتالي منفعة وصلاح للامة.
وعن ابي عباس قال: نزل: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...) قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): علي وفاطمة وابناهما(غاية المرام، مسند حمل).
قَالَ السَّيِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ : بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : أَنْ أَخْرُجَ فَأُنَادِيَ فِي النَّاسِ : أَلَا مَنْ ظَلَمَ أَجِيراً أَجْرَهُ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ .أَلَا مَنْ تَوَالَى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ .أَلَا وَ مَنْ سَبَّ أَبَوَيْهِ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ .قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام :  فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ فِي النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم .فَقَالَ لِي : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، هَلْ لِمَا نَادَيْتَ بِهِ مِنْ تَفْسِيرٍ .فَقُلْتُ : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ ؟ قَالَ : فَقَامَ عُمَرُ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ .فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِمَا نَادَى عَلِيٌّ مِنْ تَفْسِيرٍ ؟قَالَ : نَعَمْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُنَادِيَ ، أَلَا مَنْ ظَلَمَ أَجِيراً أَجْرَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، وَ اللَّهُ يَقُولُ :{ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ } .فَمَنْ ظَلَمَنَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ أَمَرْتُهُ : أَنْ يُنَادِيَ مَنْ تَوَالَى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، وَ اللَّهُ يَقُولُ :{ النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } .وَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، فَمَنْ تَوَالَى غَيْرَ عَلِيٍّ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ .وَ أَمَرْتُهُ : أَنْ يُنَادِيَ مَنْ سَبَّ أَبَوَيْهِ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ . وَ أَنَا أُشْهِدُ اللَّهَ ، وَ أُشْهِدُكُمْ ، أَنِّي وَ عَلِيّاً أَبَوَا الْمُؤْمِنِينَ ، فَمَنْ سَبَّ أَحَدَنَا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ . فَلَمَّا خَرَجُوا : قَالَ عُمَرُ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ، مَا أَكَّدَ النَّبِيُّ لِعَلِيٍّ فِي الْوَلَايَةِ فِي غَدِيرِ خُمٍّ . وَ لَا فِي غَيْرِهِ ، أَشَدَّ مِنْ تَأْكِيدِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا .قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ : كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله بِتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْماً .ً
وذكر الأصبهاني أن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال في خطبة له بعد موت أبيه: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن الداعي الى الله بإذنه وأنا ابن السراج المنير وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) (الشورى، 33).فالحسنة مودتها أهل البيت(مقاتل الطالبيين،ج1، ص34).
ونقل في المحاسن عن عبيد الله بن عجلان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله تعالى(قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا...) قال: هم الأئمة الذين لا يأكلون الصدقة ولا تحل لهم(غاية المرام، ج13، ص309 – المحاسن، ج1، ص145 – وايضا ما روى امثالها في – المفيد في الاختصاص، الطبرسي، ابراهيم القمي في تفسيره، الشيخ في آماله، سعد بن عبد الله في بصائر الدرجات.