الحوار ام القتال؟

إن من درسوا حياة الإمام الحسين عليه السلام أمكنهم استشفاف نتيجة مهمة مفادها أن النصر الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا بالسير على هدى ذلك الثائر العظيم، و لا بد له من اقتفاء خطاه، واتباع آثاره.
وقد حاولت الكثير من الجهات ان تتبنى الجانب القتالي يوم الطف من سيرة الامام الحسين (عليه السلام) وتنطلق منه لتأسيس أسلوب الرفض وتكريسه بعنوان المجابهة العسكرية حصرا لكل ما لا يحصل عليه القبول والرضا، وجعل معنى الاقتفاء هو الرفض الدائم والسعي إلى نيل الشهادة عبر خيار المعركة فقط دون غيره، بينما المطلوب الحقيقي هو اقتفاء خطى الإمام (عليه السلام) في كل أحواله وأخلاقه ومبادئه وبخاصة منها الدعوة إلى نشر السلم والسلام والخير والمحبة إلى آخر لحظة من الحياة، وعبر جميع السبل المتاحة، وهو ما مارسه (عليه السلام)في كل آن من آناء حياته.
 واللبيب الباحث عن الهدى الحقيقي الذي عند آل البيت عليهم السلام يتضح له جليا أن الإمام الحسين عليه كان هدفه الأسمى جلب الخير والمنفعة للإنسانية جمعاء وبضمنها أعداؤه الذين جندوا أنفسهم لقتله، وبهذا تنتفي كل الأقوال والدعوات التي قصرت تفكيرها على الجانب القتالي في حركة الإمام الحسين عليه السلام وراحت تجند الرجال للسير في ذلك الاتجاه فقط، رافضة كل الأفكار والدعوات الرامية إلى إشاعة السلم والمنادية إلى السير في سبل الحوار من أجل الوصول إلى الأهداف التي تحقق الخير والأمان والاستقرار للناس، وتجلب المنفعة والرفاهية والتقدم لهم.
كما قد يقول البعض ان الحوار بين الامام الحسين (عليه السلام) وبين أعدائه لم يثمر عن نتيجة ولم يفعل فعله فيهم وان النهاية والثمار الحقيقية ما جاءت الا عن طريق الصراع العسكري، وهو الذي خلد تلك الحركة وأدام آثارها الى يومنا هذا وبالتالي يجب علينا جميعا ان ننتهج خيار القتال في سبيل تحقيق مصالح الامة، وترك الخيارات الأخرى لأنها ليس من ورائها أية جدوى.
وهذا كلام غير صحيح تماما لأن اساليب الحوار أولا من الامور التي أكدت عليها شرائع السماء ومنها (وجادلهم بالتي هي أحسن) وثانيا فإن الحوار قد جاء بنتائج ايجابية كثيرة منظورة وغير منظور وأما غير المنظورة فهي استخدامه كدليل وشاهد على ان الامام الحسين عليه السلام كان يبحث عن الخير للامة جمعاء وأنه لم يكن يسعى لنيل منصب بل كان همه اصلاح ما فسد من امور الامة آنذاك، وصون دماء الناس من الهدر وأعراضهم من الهتك وأموالهم من السرقة وغيرها من الامور، وأما المنظورة فكان منها الانقلاب الكبير الذي حدث في موقف الحر بين يزيد الرياحي(رضوان الله تعالى عنه)بتركه جبهة الباطل والتحاقه بجبهة الحق.
وربما يرى البعض ان تغييرا على مستوى الافراد لا يعد ثمرة يعتد بها، عبر تعودهم على النظرة المادية للأمور، اما في الشريعة الاسلامية الحقة التي جاء بها رسول الانسانية محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانها تختلف اختلافا كبيرا، إذ تعتبر التغيير من السيء الى الحسن مهما كان بسيطا فوزا عظيما، ويثبت لنا ذلك من خلال قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): يا علي لئن يهد الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت.  
واليوم و بعد التشويهات الكثيرة التي أنتجتها القراءات الخاطئة للمفهوم العسكري في الفكر الاسلامي وتأثيرها السلبي جوانبه الانسانية فقد آن الأوان أن يكرس المسلمون الكثير من الجهد لنشر مبادئ الاسلام الانسانية عبر القول والعمل، لا عبر الغصب والاكراه، ليكونوا مصداقا للاسلام المحمدي الأصيل وحملة صالحين لرايته الانسانية.