ظاهرة الإلحاد محاولة لتشويه صورة الإسلام

تقرير: سلام الطائي

تحرير: يحيى الفتلاوي

ليست وليدة اليوم بل رافقت التاريخ على طول مداه الإنساني رافعة لواء عدم وجود خالق للكون بحجج هي نفسها على طول الخريطة التاريخية التي سارت عليها، مع استغلال بعض خصائص كل عصر حتى وصلت اليوم الى الاحتجاج ببعض العلوم التطبيقية الحديثة، ولطالما كانت تتوجه في تأثيراتها على بعض ذوي العقول البسيطة والتي كان من شأنها الانبهار بتلك الادعاءات المؤطرة بأطر قريبة الى النفس البشرية الرامية الى اعتناق كل ما هو مختلف وجديد.

قال الدكتور محمد الطائي، التدريسي في كلية العلوم الإسلامية بجامعة كربلاء ان: وجود ظاهرة الإلحاد في بلادنا الإسلامية له عدة أسباب منها الضعف المعرفي الناتج عن إشكالات التعلم ومنها ما ينتج عن الخلل النفسي المتمثل في العجز عن الملاءمة بين ممارسة التدين في مراتبه العالية والتعامل مع مخرجات الحضارة المادية الشهوانية المعاصرة, كذلك حالة التبعية للغرب, إضافة الى الظلم السياسي والاجتماعي الذي لا تزال أمتنا ترزح تحته، والذي يسعى بعض من يمارسه إلى تسويغه باسم الدين.       

وإن كتاب نهج البلاغة للإمام علي (عليه السلام) هو مشروع حضارة، ينقل لنا تجارب أمة كاملة مختزلة ويعالج آلاف القضايا أو المشاكل في المجتمع, وواحدة من المفردات التي يعالجها هذا النهج هو إثبات الخالق بنحو عقلي ومنطقي وكيفية محاربة الإلحاد ومنع الأفكار المتطرفة من الدخول إلى الإسلام, والساحة الفكرية المعاصرة بحاجة ماسة للوقوف على أبعاد هذا النهج وعلى حدود مفهوم التوحيد وبالتالي يمكن أن نضع أيدينا على حلول ناجعة لقضية الإلحاد التي بدأت شيئا فشيئا تتسرب إلى عقول الشباب" مؤكدا أن" من أهم الأسباب التي جعلت هذا الفكر يتسرب إلى العقول هو الاصطدام بنماذج تحاول تشويه صورة الإسلام كالفكر الداعشي والعلماني الذي يدعي انه ينتمي للإسلام, ولكنهما فكران متناقضان كانا مشوهان للمنظومة الإسلامية ولوجه الإسلام المشرق، وهذا التشوه انعكس سلبا على أفكار بعض شبابنا وبالتالي باتوا يبحثون عن الخالق وعن وجوده وهل للكون خالق وما سبب خلقنا".

لذلك يجب تسليط الضوء على الخطوط العامة لمواجهة تيار الإلحاد وإثبات وجود الخالق بنحو فكري ومنطقي وعقلي وليس بنحو مادي, وتتحمل مسؤولية مواجهة هذا الأمر جهتان الأولى تمثل المنظومة الإسلامية بكل معطياتها والجهة الأخرى هم الأكاديميين ودورهم في محاربة هذا الفكر لما لهم من تماس مباشر مع الطلبة ومع هذه الأفكار الشاذة, مضافا إليهم الآباء والمدرسون فهؤلاء كلهم مسؤولون أمام الله وأمام أجيالنا عن ضرورة مواجهة هذا الفكر الذي لو استشرى في الواقع ستكون عواقبه وخيمة , وواحدة من تلك العواقب هي سلب الروح الإيمانية وسلب المنظومة الأخلاقية التي بظلها يعيش المجتمع".

 الرجوع الى نهج أهل البيت لمحاربة الأفكار الدخيلة

فيما قال السيد نبيل الحسني، رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: إن الصراع بين الإيمان والإلحاد صراع فكري منذ أن درج الإنسان في صبوه للمعرفة، فهو يبحث عن سر وجوده على هذه الأرض متسائلا من أوجدني؟ ولماذا وجدت؟ وماذا يراد مني؟ وفكرة أن الله لا يُرى لا تجد لها في فكر الإنسان مستقرا, حتى مع وجود الأنبياء (عليهم السلام)، والقرآن الكريم يرفض هذه المعطيات الفكرية في الحركة الإنسانية , قال تعالى (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا(.

وأشار الحسني الى أن" الهدف من هذه الرؤيا هو إزادة الشك في النفوس التي لم يجد الإيمان إليها سبيلا، وفي الوقت نفسه هي تدعو الى التشكيك في التوحيد ووسائل تحقيقه وبيانه من خلال الأنبياء عليهم السلام, وما زالت هذه المفاهيم تجول في المجتمعات ويتحدث بها الناس ويبحثون عن إجابات يواجهون بها هذه المفاهيم".

إن الإمام علي عليه السلام واجه الإلحاد الثنوي لاسيما وقد ترسخت الوثنية بأشكالها المتعددة في المجتمع الذي كانت فيه المعطيات الفكرية في الوثنية من أعقد الأفكار, وهو القائل في تصحيح الفكر وحده من التطرف (أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به التوحيد وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار إليه ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال علام فقد اخلي منه ) , فلذلك علينا الرجوع الى نهج أهل البيت عليهم السلام لمحاربة الأفكار الدخيلة على الإسلام والتي تحاول تغيير العقول تجاه وحدانية الله سبحانه وتعالى.

 الفكر الإلحادي ردة فعل على واقع سيئ

من جانبه قال الدكتور قحطان حسين، التدريسي في كلية الدراسات القرآنية بجامعة بابل: تتعرض المجتمعات في الآونة الأخيرة إلى هجمات فكرية واضحة من مصادر معروفة سلفا أثرت بشكل عام على القيم والمعتقدات الإسلامية في هذه المجتمعات وبالأخص الفكر الإلحادي , هذا الفكر الذي جاء كردة فعل على واقع سيئ أفرزته معطيات ومتغيرات كثيرة منها التيارات التي تدعي أنها تيارات إسلامية حقيقية لكن في حقيقتها هي تيارات مصطنعة ولا تمت للإسلام بشيء ولا تمثل المسلمين والفكر الإسلامي".

وأضاف" ان الملحد يجد ضالته حينما تسيطر عليه الشهوات وحب المال والغرور والكبرياء مما يدفعه الى السعي لإفراغ هذه الشهوات دون ضوابط أو حساب ويعمل على تجاهل أو إنكار الخالق للتخلص من ذلك الحساب بحسب قناعته.

وتابع د. قحطان" من الضروري جدا أن نسعى لمعالجة هذا الفكر والعمل على تغيير القناعات خصوصا فئة الشباب التي بدأت تتصور ان الفكر الإلحادي هو ملاذ وخيار بديل أفضل من الإسلام, وهذا التصور خاطئ وغير عقلاني وغير موضوعي بل هو تصور جاء بناءً على معطيات فكرية عاطفية وعليه لابد من إيجاد الحلول والمعالجات, ويتبنى مسؤولية هذه الحلول عدة جهات منها  النخب الدينية والنخب العلمية والأكاديمية وهي مكلفة بمتابعة هذا الموضوع من خلال الحوار والنقاش وإيجاد الدلائل على فساد الفكر الإلحادي وعدم صحته وعدم موضوعيته.