الإسلام ومفاهيم الحُكم العادل

صباح الطالقاني

- أسّسَ الإمام علي (ع) انموذج حُكم، إن اقتفى أثره أي مسؤول لنالَ رضا الله وعامّة الناس

- رضا عامّة الناس يعني ثبات النظام، ووقاية له من كيد الأعداء والمتضرّرين من وجوده

في جانب مهم من جوانب حراك الشعوب الذي تشهده المنطقة وسعيها لإيجاد نظُم تتسم بالعدالة وحرية الاختيار، وفي خضمّ مرحلة الانتخابات في العراق التي يرجى منها أن تشكل منعطفاً ايجابياً نحو تحقيق الاصلاح والاستقرار والنمو، هناك ثمة فرصة سانحة للتذكير بأن الإسلام هو رائد التغيير، وهو الذي ابتدأت في عصر نشوئه مفاهيم الحقوق المدنية والعدل بين الرعية، عبر دستور الحكم الرباني الذي أسسه وبناه رسول الله صلى الله عليه وآله.

وبعيداً عن الخوض في التحليل الاجتماعي لنظريات الحُكم من قبيل المُستبد العادل والتوريث والقبضة الحديدية، بعيداً عن ذلك نجد من الضروري في هذا الوقت تسليط الضوء على الكنز المعرفي الذي صنعهُ خليفة رسول الله أمير المؤمنين علي عليه السلام، في كيفية الحكم والتعاطي مع الرعية، لضمان العدالة بين الحاكم والمحكوم من جهة، وكسب رضا الله تعالى ورضا عامة الناس ومحبتهم.

ولنا في عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى واليهِ الذي ارسله إلى مصر (مالك الأشتر) رضوان الله عليه أنموذجاً رائعاً. فقد جاء في هذا العهد ضرورة محبّة الحاكم للرعية، ومراعاة مشاعر الناس على اختلاف مشاربهم وألوانهم، ولا يخفى أن في ذلك ترسيخاً لأسس الإسلام الانسانية، وتقوية لبنيتهِ الاجتماعية. فقال عليه السلام مخاطباً الأشتر: (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ. ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ).

وانتقلَ امير المؤمنين عليه السلام بعهده للأشتر إلى جانب آخر، فأوصاه أن يختار في إدارة شؤون البلاد أشخاصاً تتوفَّر فيهم الكفاءة والنزاهة والحكمة والشجاعة، فقال عليه السلام: (ولا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ ويَعِدُكَ الْفَقْرَ، ولا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ، ولا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ؛ فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ).

أما رضا عامة الناس فقد أخذ حيزاً هاماً من عهد الإمام عليه السلام لأن رضا العامة يعني ثبات النظام، ووقاية له من كيد الأعداء والمتضرِّرين من وجوده، فقال عليه السلام:(وإِنَّ سُخْط الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رضا الْعَامَّةِ، ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاءِ، وأَكْرَهَ لِلإِنْصَافِ... مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ، وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، والْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ. فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، ومَيْلُكَ مَعَهُمْ).

ما تقدمَ هو غيض من فيضٍ معرفيْ، أغدقَ به أمير المؤمنين عليه السلام على ولاتهِ في أمصار الدولة الإسلامية، خلال فترة حكمه القصيرة التي لم تتعدى الخمس سنوات، لكنها كانت حافلة بالمُثل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي إن اقتفى أثرها أي حاكم في عصرنا هذا لنال رضا الله تعالى واستحسان عامة الناس.

ورغم أن شعوب المنطقة تختلف في مطالبها بين حاجة شعب للحرية والتمثيل العادل، وبين حاجة أخرى تطلب الإصلاح ومكافحة الفساد، إلا أن الواقع يفيد بأن هذه الشعوب مقبلة على صنع تاريخ جديد، اذا ما تمسكتْ بالوعي الحقوقي والايمان بالمطالِب، وتخلّت عن رموز الفساد، وسلكت طريق المنافسة الشريفة لإيجاد تمثيل عادل، يخلق نظام حُكم يتحلى ببعض ما جاء في نُصح وإرشاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، خاصةً وأن مرحلة الدعم الدولي للأنظمة المستبدة تحت ذرائع الحفاظ على الاستقرار قد شارفت على الانتهاء وفق مؤشرات واقعية وأمثلة عديدة تجري مِن حولنا، والعِبرة لمَن اعتبَر.