رعاية المسنّين.. اساليب متعددة

اعداد: محمود المسعودي

قال الله سبحانه وتعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الاسراء23).

قد يمن الله سبحانه وتعالى على الانسان بطول عمر والديه او احدهما وبلا شك فان على الابن او البنت ادراك كيفية التعامل معهما في هذه المرحلة العمرية فهي تحتاج الى تعامل بشكل خاص لتوفير احتياجاتهم ومتطلباتهم بما يرضون بها على رغم من الصعوبة التي قد تتخلل ذلك.

الاسلام وحفظ حقوق المسن

وقد اكد الدين الاسلامي على حفظ حقوق ورعاية المسنين وتلبية احتياجاتهم اليومية وضرورة توفير الحياة الطيبة لهم، مقابل ذلك كافأ الاسلام من يقوم برعايتهم, فعن كتاب بعنوان حقوق الانسان عند الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)‏ رؤية علمية‏ (لـ غسان السعد‏) ذكر أن الامام شمل كبار السن والعجزة في الامة بحق الضمان الاجتماعي فكان (عليه السلام) يقول: " يكرم … الكبير لسنه " ، ويروي الامام (عليه السلام) قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "من وقر ذا شيبة لشيبته آمنه الله عز وجل من فزع يوم القيامة "وأكد الامام ان من سمات المؤمن" ترك الاذى وتوقير الشيوخ".

وأشار الكاتب في كتابه أن الامام (عليه السلام) ينقل احترام كبار السن وضرورة توفير العيش الكريم لهم، كجزء من ذلك الاحترام والتوقير؛ من حيز البعد المعنوي الى الواقع العملي ، حيث كان (عليه السلام) يوصي ابناء الامة ولاسيما اصحاب السلطة منهم قائلاً " كن لله ذاكراً على كل حال وارحم من اهلك الصغير ووقر منهم الكبير "، ويذهب الامام الى ان أية اهانة توجه لكبار السن ما هي الا دليل على وجود قيادة فاسدة في الامة اذ يقول (عليه السلام):" سيسلط عليكم سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم صغيركم .. وليضربنكم وليذلنكم " والمجتمعات غير الصالحة عند الامام علي (عليه السلام) هي تلك التي" لا يعظم صغيرهم كبيرهم ".

وتطرق فيما بعد الى ما قام به ودعا له الامام (عليه السلام) من تطبيق عملي لنصوص ووصايا الاسلام وشمول جميع القاطنين في البلد دون تمييز ديني أو عرقي أو غير ذلك، كما جاء في البحث بقوله: اما في الواقع العملي فان الامام كان يجل كبار السن ويعظمهم وينفق عليهم من مال المسلمين، حتى اذا "مر شيخ مكفوف كبير يسأل ، قال امير المؤمنين : ما هذا؟ قالوا يا امير المؤمنين نصراني، فقال امير المؤمنين: استعملتموه حتى اذا كبر وعجز منعتموه انفقوا عليه من بيت المال". وهذا ما يؤشر انسانية الاسلام في التعامل مع كبار السن وان لم يكونوا من المسلمين وكذلك فقد امر الامام بالصرف على من يعجز عن العمل بسبب المرض او غيره. لذلك اوصى(عليه السلام) بـ" رحمة المجهود واصحاب البلاء "، اما بالنسبة للقادرين على العمل ولكنهم لم يجدوا فرصة للعمل فان الامام (عليه السلام) قد شملهم ايضا في ضمن بند آخر بحق الضمان الاجتماعي .

الصفات لا يحبها المسن

نشاهد ونسمع يوميا ما يقوم به كبار السن من تصرفات غير مقبولة وربما تكون محرجة في بعض الاحيان امام الغرباء ولهذه التصرفات اسباب يذكرها المختصون عبر نشرها في بعض المواقع الالكترونية, ومن هذه الاسباب هي:

اولا: غالبا ما يعاني المسنون من النسيان وبعض الاحيان يصابون بفقدان الذاكرة لذا علينا الابتعاد عن مناقشتهم بصورة مستمرة حول موضوع لم يتذكروه .

ثانيا: ربما لا يتمكنون من استخدام الاجهزة التكنولوجية الحديثة لذا علينا مساعدتهم دون ان نسبب لهم الاحراج او نسخر منهم .

ثالثا: دائما علينا الاصغاء اليهم واشعارهم بالاهتمام بحديثهم حتى لو كان مملا او حديثا عن قصص حياتهم في الماضي, و أعطهم فرصة للحديث والتكلم عما في داخلهم فهم يرغبون بالفضفضة والحديث عن مشاكلهم , واستشرهم وخذ برأيهم

واجعلهم دائماً يشعرون أن مكانتهم محفوظة، وتقديرنا الدائم لهم لا يمكن أن يتغير مهما تقدموا بالسن، واستشارتهم دائماً في معظم الأمور وأشعارهم بأننا نأخذ بآرائهم.

 رابعا: الابتعاد عن التحدث معهم باستمرار حول موضوع الارث بطريقة جارحة تشعرهم بالحزن والانزعاج.

خامسا : الاجابة عن اسئلتهم بطريقة لائقة واحترام مهما كانت الاسئلة بسيطة.

رفض المسن لرعايتهم

يرفض المسن المساعدة والرعاية من قبل ابنائه في بعض الاحيان ولهذا الرفض اسباب بينها فريق مايو كلينيك الطبي البحثي (Mayo Clinic) في مستشفى مايو كلينيك، روتشيستر Rochester)) بولاية مينيسوتا Minnesota)) الأمريكية، في مقال عن كيفية التعامل مع كبير السن عندما يرفض أن تساعده وتقدم له العناية, وذكروا الأسباب التي تدفع المسنين لمقاومة مساعدة الآخرين لهم، حيث صرحوا أن معظم كبار السن حين يقبلون رعاية الآخرين يتخلون بذلك عن خصوصيتهم واستقلاليتهم, بالتالي سيتكيفون مع عادات جديدة لم تكن موجودة في حياتهم من قبل.

وذكر الفريق أن "شعورهم بالخوف والضعف وأحياناً الغضب، نتيجة حاجتهم الآخرين أو كونهم عبئا على من يعتني بهم فيحاولون مقاومة تلك الأفكار برفض ما يقدمه الآخرون لهم من دعم, وربما تدفعهم بعض المشاكل الذهنية كفقدان الذاكرة (الخرف- الزهايمر) إلى صعوبة التعبير عما يحتاجون فيتجنبون الاستعانة بالآخرين".

ولمعرفة كيفية جعل المسنين يتقبلون الرعاية والمساعدة  حدد الفريق بعض الطرق الممكنة لجعل كبار السن يتقبلون الرعاية لهم، منها محاولة التقرب اليهم ثم التحدث معهم بلطف دون قلق أو خجل, وسؤالهم عن احتياجاتهم التي يريدونها باستمرار وحفزهم على أن يطلبوا ما يريدون دون أن يفكروا بشيء، لكي يتسنى لنا معرفة الوقت المناسب للحديث معهم ونوع المساعدة المطلوبة من قبلهم بشكل دائم وما الذي يحتاجونه بالضبط لنقوم به على أكمل وجه.

التعامل مع كبار السن من منظور نفسي

وتحدثت لمجلة الروضة الحسينية الاستاذ المساعد في جامعة الكفيل(اوراس حميد ادريس) عن فن التعامل مع المسنين فقالت: هنالك الكثير من الاسرار في طرق التعامل مع الوالدين، نجد بعضها عند تفحص الآية القرآنية التالية  لنكشف العلاقة  الدقيقة والخيط الرفيع الواصل بين المفاهيم المشيرة اليها، فقد قال تعالى: (و قضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا) 

                                                                (الإسراء, 23)

 وبالتأمل الجيد في تلك الآية وفهم معانيها يتبادر الى الذهن أن:

من الاساليب المهمة في التعامل هو وقت مرضهما أو أحدهما , وفي هذه الحالة من الضروري ان لا نبدي لهم ملامح الضجر والضيق من حالتهم المرضية لان ذلك سيؤثر سلبا على صحتهم الجسمية بل وحتى النفسية اذ سيعتقدان انهما عالة على اولادهم  وان الابناء لا تحب ولا ترحب بوجودهم في المنزل لذلك سيصابون بعدة اضطرابات نفسية منها القلق و الاكتتاب و غيرها .

وأضافت: أما الوسيلة الثانية التي لا تقل اهمية عن الوسيلة الاولى وهي وجبات الطعام , فلا ينبغي مثلا أرسال الطعام لغرفتهم بيد الطفل الصغير ليتناولوه بعيدا عن العائلة , بل لا بد من استمالتهم لان يشاركوا الطعام مع العائلة لان ذلك له مردود ايجابي على المنظومة المزاجية للمسن فترتفع قيمة تقدير الذات لديهم و بالتالي سوف تقل نوبات الغضب عندهم , علما ان نوبات الغضب ناتجة من تراكم الخبرات السلبية لعشرات السنين , فمواقف الحزن و الضيق كلها خبرات سلبية تؤثر على التركيبة الانفعالية و المعرفية  للمسن , بل وعلى اي فرد و ولكنها تكون لدى المسن بدرجة كبيرة جدا.

بادر بالهدايا : اجلب لهم الهدايا و لا يهم قيمتها بل ركز على نوعها لان ذلك سيدخل الفرح و السرور الى اعماق  قلوبهم و بالتالي تساعدهم على البقاء سعداء لأنك تقدر وجودهم معك .