صلابة عقيدة الشباب الحسيني

 

 

السيد عبد المطلب الموسوي الخرسان

إن صلابة العقيدة ـ في العادة ـ تكون وليدة قناعات بالأسس والمقومات التي تستند إليها العقيدة, فالإنسان عندما يقتنع بما جاءت به العقيدة, وترسخُ مفاهيمها في ذهنه, ويرى بعين البصيرة سلامة ما يُلقى إليه من أحكام وآداب ومفاهيم يطمئن من خلالها إلى توجهات تلك العقيدة في تنظيم الحياة على مختلف الصعد, فإن العقيدة تزداد رسوخاً في ذهنه, وتظهر في سلوكه, ويزداد صلابة في تبنيه لها.

لقد استقطبت الدعوة الإسلامية منذ انبثاقها عددا لا يستهان به من الشباب, وليس خفياً أن أول من آمن بالرسول المصطفى(صلى الله عليه وآله)  من الذكور هو الوصي المرتضى (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين أو ثلاث عشرة سنة على اختلاف الروايات, ومن تتبع السيرة وما نقله التاريخ, وما نصت عليه السنة النبوية الشريفة يظهر لنا أن إيمانه لم يكن مجرد متابعة عمياء لابن عمه الذي تربى في حجره, وإنما كان نتيجة قناعة وفهم, لذا نلاحظ أن النبي (صلى الله عليه وآله)  اختصه من بين أقرانه في السن من الناس, وقبله مؤمناً ووزيراً له, وكانا مع اُم المؤمنين خديجة عليها السلام يشكلون الأمة الإسلامية قبل انضمام جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ليكون رابع من ينال هذا الشرف العظيم.

إن الدعوة إلى التوحيد ونبذ الأصنام أقنعت الكثير من الشباب من أمثال : عمار بن ياسر, وبلال, وأضرابهم لما وجدوا من فكر رصين في الدعوة الفتية, وأحكام ونظم أخلاقية يهواها الذوق السليم, لذا انظم إلى الدين القويم جمع من الشباب عن وعي وفهم وقناعة.

ولقد أصبح هؤلاء الشباب بعد الهجرة القوة التي تدافع عن الدين, وتكافح حتى الشهادة من أجل حفظه وإدامة وجوده, حيث انتهى الدور الذي كانوا فيه مستضعفين, يعذبهم جبابرة قريش فاضطروا للهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة, فكانوا نواة تأسيس دولة الإسلام بعد أن انظم إليهم شباب الأنصار, فشكلوا قوة عسكرية دفاعية تحدت الكفر, ومنحت الدعوة عزة ومنعة, تهاوت أمامها قوى الكفر بفضل الدماء الزكية التي اُريقت باستشهاد الشباب الذين رووا بها شجرة الإسلام, حيث كانوا يتسابقون لنيل الشهادة ذوداً عن الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله)  وإعلاء كلمة الله تعالى, وطمعاً لما اُعد لهم من الخلود الدائم والنعيم الذي لا زوال له.

ولما كانت الثورة الحسينية امتداداً للدعوة الإسلامية بأهدافها وقيادتها, فالنهج الذي سار عليه الرسول (صلى الله عليه وآله)  في محاربة الأصنام, والدعوة لعبادة الله تعالى, ومقارعة الظلم والجور هو نفس النهج الذي ورثه سبطه الشهيد الحسين بن علي (عليه السلام) الذي ثار ضد الظلم والفساد, ودعا الناس للعودة إلى مُثل الإسلام العليا, وإطاعة الله تعالى, ونبذ طاعة المضلين والفسقة.

 إن هذه الأهداف التي نهض الحسين (عليه السلام) من أجلها تتمثب بتصحيح مسار الأمة نحو الاستقامة والاعتدال, وليطبق ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم (عليه السلام), وقد استعد للتضحية ودعا إليها من أجل تحقيق هذا الهدف, حيث قال في خطبته بمكة: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة, وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف, وخير لي مصرع أنا لاقيه, كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشاً جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم, رضى الله رضانا أهل البيت ....)

وكتب إلى بني هاشم : (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى بني هاشم : أما بعد فإنه من لحق بي استشهد, ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح والسلام).

لقد كانت أهداف الثورة واضحة جلية, وقد حظيت بالقيادة المعصومة التي فرض الله تعالى طاعتها بنص كتابه وعلى لسان نبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله) , ولا يوجد أي غموض في ما ستؤول إليه هذه النهضة الجهادية بعد أن بين السبط الشهيد (عليه السلام) أنه سيستشهد, وأن جسده الطاهر سيمثل به وستقطع قوى الكفر الحاقدة أوصاله, وأن مصيره ومصير من يلحق به واحد.

إن الجهاد والتلهف للشهادة كان هدفاً سامياً يرغب فيه كل مؤمن, لأنه يذب عن إمام الحق (عليه السلام) وثقل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) , ويدافع عن الرسالة التي أصبحت مهددة من الفاسقين المتسلطين.

كانت الشهادة طموح الشباب يوم الطف فراحوا يبارزون أنصار الباطل بكل صلابة ويتهاوون شهداء بين يدي إمام معصوم بإطاعته ينال المجاهد رضى الله تعالى والفوز بالجنة مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا, مضافاً لما وعد به السبط الشهيد من الفتح الذي كانت ولا تزال آثار بركته على الإسلام والمسلمين حتى أصبح مناراً تستهدي به البشرية باختلاف مشاربها.