البيئة وعلاقتها بالتنمية المستدامة

د. خديجة حسن علي القصير

وردت العديد من التعاريف للتنمية المستدامة تكاد جميعها تكون مشتركة فيما بينها، فالبعض يعرفها بأنها تمثل ظاهرة عبر جيلية، أي أنها عملية تحويل من جيل إلى آخر. وهذا يعني أن التنمية المستدامة لابد أن تحدث عبر فترة زمنية لا تقل عن جيلين، ومن ثم فإن الزمن الكافي للتنمية المستدامة يتراوح بين 25 إلى 50 سنة.

  وتتمثل الخاصية المشتركة في مستوى القياس. فالتنمية المستدامة هي عملية تحدث في مستويات عدة تتفاوت ببين (عالمي، إقليمي، محلي).  ومع ذلك فإن ما يعتبر مستداما على المستوى القومي ليس بالضرورة أن يكون كذلك على المستوى العالمي. ويعود هذا التناقض الجغرافي إلى آليات التحويل والتي من خلالها تنتقل النتائج السلبية لبلد أو منطقة معينة إلى بلدان أو مناطق أخرى.

  وتعد المجالات المتعددة خاصية مشتركة اخرى حيث تتكون التنمية المستدامة من ثلاثة مجالات على الأقل: اقتصادية، وبيئية، واجتماعية ثقافية. ومع أنه يمكن تعريف التنمية المستدامة وفقا لكل مجال من تلك المجالات منفردا، إلا أن أهمية المفهوم تكمن تحديدا في العلاقات المتداخلة بين تلك المجالات.  فالتنمية الاجتماعية المستدامة تهدف إلى التأثير على تطور الناس والمجتمعات بطريقة تضمن من خلالها تحقيق العدالة وتحسين ظروف المعيشة والصحة. أما في التنمية البيئية المستدامة فيكون الهدف الأساس هو حماية الأنساق الطبيعية والمحافظة على الموارد الطبيعية. أما محور اهتمام التنمية الاقتصادية المستدامة فيتمثل في تطوير البنى الاقتصادية فضلا عن الإدارة الكفؤة للموارد الطبيعية والاجتماعية.

والقضية هنا أن تلك المجالات الثلاثة للتنمية المستدامة تبدو نظريا منسجمة لكنها ليست كذلك في الواقع الممارس. كذلك فإن المبادئ الأساسية هي الأخرى مختلفة فبينما تمثل الكفاءة المبدأ الرئيس في التنمية الاقتصادية المستدامة تعتبر العدالة محور التنمية الاجتماعية المستدامة، أما التنمية البيئية المستدامة فتؤكد على المرونة أو القدرة الاحتمالية للأرض على تجديد مواردها.

  وتتعلق أيضا خاصية مشتركة أخرى بالتفسيرات المتعددة للتنمية المستدامة. فمع أن كل تعريف يؤكد على تقدير للاحتياجات الإنسانية الحالية والمستقبلية وكيفية الإيفاء بها، إلا انه في الحقيقة لا يمكن لأي تقدير لتلك الاحتياجات أن يكون موضوعيا، فضلا عن أن أية محاولة ستكون محاطة بعدم التيقن. ونتيجة لذلك فإن التنمية المستدامة يمكن تفسيرها وتطبيقها وفقا لمنظورات مختلفة (Grosskurth & Rotmans, 2005: 135-150).

ومن أهم تلك التعريفات وأوسعها انتشارا ذلك الوارد في تقرير بروندتلاند (نشر من قبل اللجنة عبر الحكومية التي أنشأتها الأمم المتحدة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين بزعامة جروهارلن بروندتلاند لتقديم تقرير عن القضايا البيئية)، والذي عرف التنمية المستدامة على أنها "التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها" .

ومع أن هناك شبه إجماع نظري بأن المساواة (سواء بين أفراد الجيل الحالي من جهة أو بين الأجيال المختلفة من جهة أخرى) تعتبر عنصرا أساسيا للمفهوم إلا أن مضمون تلك المساواة لا يزال غامضا.

وانسجاما مع هذا التعريف ينبغي التأكيد عند معالجة المشكلة البيئية على ثلاثة أنواع من التوازن في هذا المجال وهي:

التوازن بين المناطق وخاصة بين الشمال والجنوب

التوازن بين الكائنات الحية

التوازن بين الأجيال

وهذا يعني ضمنيا العمل على تقييد النشاطات الإنسانية ضمن نظام محدد بعناية يمكن من خلاله التحقق من عدم فرض أي أعباء إضافية على النسق الحيوي للأرض أو الأجيال القادمة. إذن فإن ما ينبغي العمل على استدامته هو ذلك الوضع المتوازن عالميا بين احتياجات الإنسان واحتياجات الطبيعة، حيث يجب الإيفاء بمعظم احتياجات الطبيعة لأن تحقيقها يعتبر أمرا حاسما للبشر

وأخيرا ينبغي الإشارة إلى أن الجدل الدولي حول مفهوم التنمية المستدامة قد خلق بالتأكيد مجالا جديدا من الخطاب كما أن معناه الواسع والغامض قد سمح لجماعات مختلفة للسعي لتحقيق مصالحها بطرق جديدة وحجج مختلفة. وبينما يمكن النظر إلى تلك الظاهرة كمؤشر إيجابي في إبراز قضية التنمية المستدامة لتحتل الصدارة في النقاش العام، إلا أنه يجب أيضا ألا نغفل المخاطر المرتبطة بها. فمع أنه قد لا يكون ممكنا أو حتى محبذا حصر مفهوم التنمية المستدامة في تعريف محدد، إلا أن الخطابات السياسية حول كيفية الربط بين القضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية قد تسببت، وستستمر، في إحداث خلافات سياسية وتنافس حول التعريف الأفضل. وبرغم أن تعدد وتشتت التفسيرات ووجهات النظر يمكن أن تسمح بالمرونة إلا أنه يخشى أن يصبح مبدأ الاستدامة عديم المعنى، وليس أكثر من مجرد عبارة في البلاغة السياسية.