الامام الحسين (عليه السلام) وأهل العراق

سامي جواد كاظم
(يا ليتنا كنا معكم سيدي فنفوز فوزا عظيما) كلمة لا يردّدها أحد أكثر من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) عند ذكرهم الإمام الحسين عليه السلام.
 ولأن التاريخ يحمل في طياته العجيب من الأحداث فإن هنالك يدا خبيثة حاولت تشويه صفحاته، ولا يوجد من تعرض لهذا التشويه أكثر من أهل البيت عليهم السلام، ولكن لحكمة إلهية ينقلب كيدهم إلى صفعة تذلهم وتثبت علو  مكانة أهل البيت عليهم السلام .
والحسين عليه السلام وما جرى عليه في واقعة الطف الأليمة، وبسبب ارتباط هذه الحادثة بأهل العراق نلاحظ أن الحاقدين حاولوا بكل جهدهم تبرئة الأمويين واتهام شيعة الإمام عليه السلام بقتله، ولكن التاريخ تبقى له كلمة الفصل عبر ما واكبته مسيرة وحياة الحسين عليه السلام من أحداث ووقائع حتى الاستشهاد، وهي كفيلة بكشف تدليس المدلسين.
فمن المعلوم أن خروج الحسين عليه السلام جاء على ضوء الرسائل التي جاءته من العراق تحثه على القدوم إلى الكوفة للقيام بالثورة وليس بالمستبعد أن بعض الذين كتبوا له نكثوا وعدهم ولكن ليس كلهم، والسؤال الحاضر هنا هو، لو لم يكتب له أهل العراق، هل كان الحسين عليه السلام يسكت عن جرائم يزيد؟ وتمهيدا للجواب نستعرض الأحداث التي رافقت حياة الحسين عليه السلام قبل وبعد هلاك معاوية ومطالبته بالبيعة ليزيد.
يتحدث التاريخ عن علاقة الحسين عليه السلام بمعاوية من خلال المراسلات التي كانت بينهما أنه عليه السلام وردته رسالة من معاوية يتوعده فيها، فأجابه برسالة جاء في آخرها بعد ذكر موبقاته: فأبشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب واعلم أن لله تعالى كتابا (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة وأخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ قد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغَشَشْتَ رعيّتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقيّ لأجلهم، والسلام). 
وفي رسالة أخرى يقول عليه السلام: وما أردت لك محاربة ولا عليك خلافا وما أظن أن لي عند الله عذرا في ترك جهادك ...انتهى . وجهاده (عليه السلام)كان بالكلمة والرد في محضر يذكر فيه معاوية، فبعد هذا الكلام الشديد الدال على الوعيد هل سينثني الحسين عليه السلام من القيام ضد الطغاة الأمويين أذا لم يناصره أحد؟
ولمعرفة كيفية تفكير معاوية للتخلص من الحسين عليه السلام، جاء عن الأندلسي أنه: دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له: أشر عليّ في الحسين فقال: أرى أن تخرجه معك إلى الشام، وتقطعه عن أهل العراق، وتقطعهم عنه.. انتهى، وفي حادثة أخرى كتب مروان بن الحكم إلى معاوية وهو عامله على المدينة: أما بعد فان عمرو بن عثمان ذكر أن رجالا من أهل العراق، ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي.. انتهى.
من كل ذلك يتبين أن الشغل الشاغل للأمويين هو كيفية قطع الودّ بين الحسين عليه السلام وأهل العراق وهذا ما أكده توابع معاوية، وكانت الرسائل التي جاءت للحسين عليه السلام من العراق منقبة لأهله لأن لا أحد فعلها من الشام أو مصر أو غيرهما من البلدان الإسلامية لمناصرته ضد السكير يزيد .
وهلك معاوية وسنحت الفرصة لمن وصفه الحسين عليه السلام بالسكير وملاعب الكلاب لكي يقتص منه باسم الإسلام فكان أول عمل قام به والي المدينة الوليد بن عتبة حسب ما جاء في البلاذري، عن العتبي: حجب الوليد بن عتبة أهل العراق عن الحسين، فقال الحسين: يا ظالما لنفسه، عاصيا لربه! علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي ما جهلته أنت وعمك؟..) وهذه شهادة حسينية بحق أهل العراق ومعرفتهم ومساندتهم للحق.
وتحرك الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة ومنها إلى الكوفة وليس كربلاء إجابة لمن راسلوه، وكانت أهم محطة من محطات الحسين عليه السلام التقاؤه بالحر ومنها تتضح أمور كثيرة ، منها أن الحر لما سأل الحسين عليه السلام عما جاء به عرض له كتب القوم فلم يكن أحد ممن كتب للحسين (عليه السلام) مع الحر، وبدأت الأحداث تتغير منذ تولي عبيد الله بن مرجانة أمر الكوفة ففي البدء كان رأيه أن يطلب من الحر تسيير الحسين عليه السلام إلى الكوفة وبعث رسالة لأجل ذلك، ولكن سرعان ما تنبه للخطر الذي قد يحدثه دخول الحسين إلى الكوفة وتآزر أنصاره معه فكتب للحر أن جعجع بالحسين ولا تدعه يدخل الكوفة أو يرجع المدينة ولازمه ولا تفارقه الا أن ينزل بالعراء في غير حصن ولا ماء حتى يأتيك أمرنا، وهذه أول بادرة قطع الوصل مع أهل العراق، كما قام ابن مرجانة حال دخوله الكوفة وقتله مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة (رضوان الله عليهما) باعتقالات وترهيب ووعيد لكل من يناصر الحسين عليه السلام فملأ السجون وكان منهم المختار وكذلك سليمان بن صرد ومعه 4500 من موالي الحسين عليه السلام وهذه هي البادرة الثانية لقطع الصلة مع أهل العراق، والبادرة الثالثة كانت عندما أمر ابن زياد زجر بن قيس الجعفي مع خمسمائة فارس أن يقيم بجسر الصراة ليمنع من يريد أن يلتحق بالحسين (عليه السلام) من أهل الكوفة وحصلت معركة لهؤلاء مع عامر بن أبي سلامة ومن معه واستطاع عامر الإفلات منهم والالتحاق بالحسين عليه السلام أما البقية فلم يتمكنوا من ذلك.
والأمر الآخر الذي ساعدهم في عزل الحسين (عليه السلام) هو جعجعته لغاية كربلاء وهي أرض قاحلة لا يسكنها ولا يمر بها أحد، بمعنى أنها ليست على الطرق الرابطة بين المدن المعروفة وذلك ليكون مكان الحسين عليه السلام مجهول الأثر لكل من يروم اللحاق به.
هذه هي الأعمال الميدانية التي قام بها ابن زياد ليقطع الإمداد العراقي عن الحسين عليه السلام، والتي تدل بما لا يقبل الشك على ولاء أهل العراق لأهل البيت عليهم السلام ومعرفتهم الحقيقية بهم واستعدادهم للدفاع عنهم بالغالي والنفيس، وآخر دليل على ذلك أنه بعد نهاية واقعة الطف بالشكل المعروف للعالم كله يرد تساؤل مهم هو: من انتقم من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وهل يكون الجواب غير أهل العراق، وأين بقية القبائل من أفعال يزيد؟ وخاصة بعد واقعة الحرة التي خلفت مأساة دموية وانتهاكا لكل القيم والأخلاق، حتى وصل الأمر بيزيد بعد كل جرائم الاغتصاب التي حدثت فيها أن أمر قواده بان يأخذوا بيعة أهل المدينة على أنهم عبيد له، فأين قبائل نجد والحجاز من جرائم يزيد وأتباعه؟