الحسين (عليه السلام) لا يختبر اصحابه

سامي جواد كاظم
أثبتت كل الدراسات والبحوث أن الإمام الحسين (عليه السلام) رجل سلام لا داعية حرب وقتل وقتال، الأمر الذي أدى إلى خلود حركته ضد الظالمين والطواغيت رغم تبنيهم كل السبل من اجل محو تلك الحركة أو التقليل من آثارها على المجتمعات الإسلامية والإنسانية.
وقد يقول البعض أن ذلك الخلود ناتج عن التأثر العاطفي بالواقعة الكربلائية ولكن الحقيقة إن خلودها عقلي إلى ابعد الحدود، فعند دراسة تلك الحركة منذ انطلاقتها وحتى نهايتها في كربلاء يظهر جليا إلى أي مدى كان يفكر الإمام الحسين عليه السلام في إرضاء ربه أولا، وسعيه الجاد والحثيث لإنقاذ امة جده مما أصابها من خلل ومحاولات طمس، وقد باءت بالفشل كل السفاسف التي حاولت أن تختلق ثغرات وشبهات حول هذه الواقعة التي أصابت كبد الأمة الإسلامية قبل أن تصيب جسد الإمام الحسين (عليه السلام).
فمن روائع الحسين عليه السلام وهو في طريقه إلى الكوفة لقاؤه بشر بن غالب الأسدي الذي سأل الحسين عليه السلام عن تفسير آية ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم) ولا اعلم هل كان وراء ذلك السؤال قصد ما، أم انه جاء صدفة؟ وبعيدا عن كل الأسباب والدوافع فقد جاء جواب الإمام الحسين رائعا فقال (نعم يا أخا بني أسد هما إمامان، إمام هدى دعا إلى هدى وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة، فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنة، وذاك ومن أجابه إلى الضلالة في النار، وهو قوله ( فريق في الجنة وفريق في السعير )*. 
والملاحظ أن إجابة الإمام الحسين عليه السلام ما هي إلا تأكيد لأحاديث أخرى للمعصومين عليهم السلام في إرشادهم الناس والعلماء إلى أن إحدى طرق تفسير القرآن الكريم تفسير القرآن بالقرآن، وها هو حديث الحسين عليه السلام يدل على ذلك، وهو واحد من الأدلة الدامغة على أن إمامة الهدى والحق محصورة أصلا في أهل بيت النبوة عليهم السلام.
والحديث الذي ساقه الإمام عليه السلام لم يكن لتبيان أو كشف حال الأسدي في تلك اللحظة وما هو عليه، إنما كان بمثابة إثارة التساؤل حول الموقف آنذاك وما يمثله كل من الحسين ويزيد، إضافة إلى الآثار المترتبة فيما لو أن الحسين عليه السلام أصغى لبعض الأقوال وبايع إمام الضلالة يزيد، وأنها في نهاية مطافها ليست إلا نسفا للقرآن الكريم أولا ودستورا يتشدق به الظالمون لأخذ البيعة من أصحاب الرسالة الهادية وانه لا ضير في انقيادهم إلى أئمة الظلم ثانيا. 
ومن العجيب أن يرى البعض أن المسألة كانت رفض مبايعة اللعين يزيد فقط وأنها هي سبب تلك النهضة وإن كانت هذه المسألة أحدى وجوهها المهمة والتي تم من خلالها تبيان حقائق آل معاوية الإجرامية ودوافعهم التوسعية والتسلطية التي انطلت على المخدوعين جراء محاولات البعض تصويرهم بمظهر إنساني، فجاءت هذه النهضة لتكشف ذلك الستر عنهم وتعري أوجه القبح التي كانوا يتصفون بها وخاصة من خلال عطش الإمام الحسين ومن كان معه من الصبية والنساء والكهول والمرضى، وقد جاءت هذه الصورة مكملة للصورة النهائية التي كشفت معالمها إجرام الأمويين. 
وبالعودة إلى قضية البيعة وأنها لم تكن السبب الوحيد في خروج الإمام الحسين (عليه السلام) نلاحظ أن القضية الأهم هي الثأر من آل البيت (عليهم السلام) لما سببوه من خسائر جمة لآل الكفر وأتباعهم منذ انطلاقة الرسالة المحمدية الهادية، وقد صرحت بذلك الكثير من الأحاديث الواردة عن الإمام الحسين (عليه السلام) حيث كان يجيب كل من طلب منه عدم التوجه إلى الكوفة حفاظا على حياته ومنهم مثلا عمرو بن لوذان الذي حاول إقناع الحسين عليه السلام بالعدول عن رحلته هذه فأجابه عليه السلام: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ..... ، وبذلك يتبين أن الحسين عليه السلام كان يعرف جيدا أن مصيره هذا محتوم وأن القوم قاتلوه بايع أم لم يبايع، لأن أحقادهم لا ينطفئ أوارها إلا برؤية دماء الحسين(عليه السلام) وأهل بيت النبوة(صلوات الله وسلامه عليهم) سواء كان ذلك في الطف أم في غيره.
 وقد شاء الله تعالى أن يكون ذلك في الطف لأنها ستكون الأقدر من بين كل بقاع الأرض على تخليد ذلك الفداء وتلك التضحية، ولو كانت الواقعة في غير مكان لما شهد تاريخنا قيام ثورات ضد الظلم، بل ولربما مسحت كلمة ثورة من قاموس الكلمات، وانتهت مدرسة الأحرار والحرية، ولما كان هناك شعار هيهات منا الذلة تستقي منه الثوار قوتها واستمراريتها. 
نصبت الخيام في رمضاء كربلاء، وهنا أدعو كل أتباع أهل البيت أن يفخروا بإمامهم ويسلطوا الضوء على شموخه عليه السلام وكيف كانت ترتسم العزة على محياه حتى شهد الأعداء بذلك قبل الأصدقاء، فالي كل الأخوة الخطباء دعوة لإظهار صورة الحسين عليه السلام العظيمة هو وعياله وصحبه وتلك العزة والثقة والشموخ التي تزخر بها أقوالهم وأفعالهم ومنها افتخار علي الأكبر عليه السلام وهو يكلم والده بمصيرهم البطولي طالما هو في مرضاة الله.
وقد جاء في بعض الكتب أن الحسين عليه السلام في ليلة تاسوعاء لما جمع أهله وصحبه وبعد أن أثنى عليهم وذكرهم بالمصير المحتوم قال لهم ( وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعا خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم، فان القوم إنما يطلبوني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري ).
 وذهب البعض إلى أن تلك البادرة من الإمام الحسين (عليه السلام) إنما هي بمثابة اختبار من الإمام لأصحابه، ولكني أعتقد ذلك ليس هو السبب، حيث أن أولئك الأصحاب كانوا يعلمون المصير منذ انطلاقتهم للالتحاق بركب الإمام الحسين عليه السلام، فهل يجوز بعد هذه الرحلة المضنية أن يأتي الحسين ليختبر أصحابه ؟ وهو الواثق منهم كما يثق من نسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن الإمام الحسين تصرف هكذا ليقول للعالم وعلى مدى التاريخ أن أصحابه خير الأصحاب، وهكذا ظل التاريخ إلى يومنا هذا يطأطئ رأسه للحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله تعالى عنهم) .