الحسين (عليه السلام).. بين السكوت والنهوض

 

الشيخ محمد باقر المقدسي

إن للقضية الحسينية معطيات كثيرة لأنها تضم الإسلام كله بكل معانيه وإفرازاته وسلوكياته وقوانينه ومن اجل ذلك اعتبرت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) نهضة عالمية لأن هدفها الرئيسي كان إحقاق الحق وإزهاق الباطل عبر الوقوف بوجه الظالمين ونصرة المظلومين وحفظ الكرامة التي تلاعب بها بنو أمية فمثلت نهضة الحسين (عليه السلام) نهضة الإسلام كله، فكانت النهضة الثانية بعد نهضة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضد الظلم العالمي.

ومن معطيات نهضة وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) المنبر الحسيني ولهذا أكد الأئمة عليهم السلام على إقامة المجالس الحسينية ولم يكن قصدهم من ذلك البكاء فقط، إنما التطرق إلى حديث كربلاء ككل واستعراض خلفيات هذه الحادثة العظيمة وآثارها وما حملته من معاني سامية وتبيان الأسباب التي دعت الإمام الحسين (عليه السلام) إلى النهوض وتقديم نفسه وأهل بيته وأصحابه للشهادة في سبيل الحق وإلا فإن الحسين (عليه السلام) كان يريد الحياة الكريمة بلا شك ولكنه عندما رأى أن الأمويين يريدون استئصال الإسلام من جذوره وان لا تقوم للإسلام قائمة، عندئذ قام بنهضته وثورته تلك.

وان مثل هذا الإشكال قد غاب عن الكثير من الكتاب والنقاد الذين انتقدوا نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) حينما قارنوا بين موقفه عليه السلام وبين مواقف الأئمة الباقين عليهم السلام بحجة أنهم يحملون نفس العلم والمكانة التي كانت عند الامام الحسين (عليه السلام) وأنهم يحظون بها من عند الله ولهم عصمتهم وغيرها من مزايا الإمامة.

 وقد غاب عن أذهانهم أن الحسين (عليه السلام) كان يمتلك من العلم والمعرفة والمكانة ما لم يمتلكه الأئمة من قبله، منها على سبيل المثال لا الحصر ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه وحده ولم يقله في غيره وذاك هو حديث (حسين مني وأنا من حسين)، والذي من خلاله يتضح جليا للعارف اللبيب ما للحسين من شأن عظيم لا ينازعه فيه أحد من البشر، وأنه صاحب الحصانة وصاحب الشخصية التي لا يمكن لغيره أن يتقمصها حتى الأئمة (عليهم السلام) وبالتالي فانه لا يمكن لأحد غيره إحداث التأثير الذي أحدثه (عليه السلام) في نهضته.

كما أن ذلك الحديث كان دلالة أكيدة على أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يعرف تكليفه تماما، ويكون مخطئا كل من حاول أن يأخذ تكليف أحد من الأئمة الباقين ويقيس به تكليف الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل إظهاره بمظهر المخطئ فيما ذهب إليه أو قام به.

ولو عدنا لدراسة المرحلة التاريخية أو الأحداث التي كانت مرافقة لزمان الإمام الحسين (عليه السلام) خاصة ما كان يبدر من يزيد من فواحش معلنة بعد أن كانت هناك الكثير من فواحشه الباطنية والمستورة، ولكن لجهره وخاصة عند توليه الخلافة بتلك الفواحش في مجتمع كان يعتبر الخليفة ممثلا لله تعالى في الأرض وممثلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان تصرفاته إنما هي سنة مرضية عند الله وان كل ما يصدر منه ما هو إلا الصحيح ولا يحق لأحد أن يقدح فيه أو يعارضه أو يخطئه خاصة بعد أن وضعوا الحديث القائل: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي، و كل ذلك دعا الإمام الحسين (عليه السلام) أن يصدح بنهضته ليعري تلك الأفعال ويسعى إلى نزع ذلك القناع الذي كانت تتقنع به وجوه الخلافة الأموية خاصة.

ولو لا ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) لكانت أعمال معاوية ويزيد من بعده سنّة وكل خليفة غير شرعي سابقا أو لاحقا، وكما هو معروف فإن لدينا في الدين مؤسس وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولدينا محامي عن الدين وهم الأئمة عليهم السلام وعلى رأسهم الإمام الحسين (عليه السلام)، وهنا تكمن النقطة الرئيسية لتلك النهضة وهي أن الحسين (عليه السلام) لو كان قد سكت عن أفعال يزيد فإن ذلك معناه أن يزداد يزيد في غيه وفحشه حتى يقضي على الإسلام كله ولا يبقي منه شيئا خاصة مع وجود أولئك المحرّفين والمأجورين ووضاع الحديث ومؤوليه حسب الهوى أو بسبب ما سيحصلون عليه من رضا الحكام وما سيدرونه عليهم من أموال.

والقضية الأكبر من السكوت عن تلك المساوئ الكبيرة ليزيد وطغمته ومواليه أنهم طلبوا من الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبايع، ليكون ذلك تعبيرا منه عن تأييده لأعمالهم، وليكون لهم حجة على صحة تلك الأعمال خاصة عند الذين كانوا يرون أن الإمام الحسين عليه السلام هو الخليفة الحقيقي لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسرون خلفه ويقلدونه في كل ما يقوم به، وإذا ما حصل ذلك فمن يمكنه بعد ذلك الرد عليهم.

 ولذلك كان جل خوف يزيد هو عدم مبايعة الإمام الحسين (عليه السلام) حصرا، لأنه كان يعرف أن عدم المبايعة معناها إسقاط الشرعية عن خلافة يزيد، كما أن السكوت معناه الرضا والقبول بتلك الخلافة أوأنها ليست باطلة جملة وتفصيلا، وأما المبايعة فهي السند الوحيد الذي يدعم حكم يزيد ويقوي شوكته ويعطيه الشرعية في التصرف بمقدرات الإسلام كيف يشاء، ولهذا نجد أن الإمام الحسين (عليه السلام) وجد أن التكليف الشرعي الذي على عاتقه النهوض بثورته الإصلاحية، ووجد أن بيعته ليزيد إنما هي خيانة للإسلام والقرآن ولرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأمة جمعاء، وهذه هي بعض الأمور التي دعته إلى أن ينهض ويقدم نفسه العزيزة وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم) قربانا لحفظ دين الله تعالى.

اللوحة بريشة الفنان حبيب الشرع الموسوي

    المقالة مستلة من حوار أجرته مجلة الروضة الحسينية مع سماحة الشيخ محمد باقر المقدسي