أثر الثورة الحسينية في شباب اليوم

السيد عبد المطلب الموسوي الخرسان

إن الثورة الحسينية المباركة لم تنته بما حسمت به من نتائج دموية, بل ثبت للعالم أنها بدأت ساعة حسمها, حيث كتب لها الإستمرار لتكون مناراً للأحرار, ولتقض مضاجع الظالمين, ولتطيح بعروش المتسلطين على مدى الدهر, وهذا يفسر لنا قول الحسين (عليه السلام): (من تخلف عني لم يبلغ الفتح) بعد أن أعلن أنه ماض للشهادة, وأنها مصيره ومصير كل من ينظم إليه في نهضته الخالدة.

لقد تحولت ثورة السبط الشهيد (عليه السلام)إلى قضية الإسلام الأولى, بل هي قضية الإنسانية, منذ فجرها أبو الأحرار الشهداء وسيد الأباة (عليه السلام) الذي أعطى للإنسانية دروساً بليغة في التضحية والفداء وهو يطلق صرخته المدوية الخالدة : (هيهات منا الذلة) ويرسم بذلك طريق الانتصار على الظلم, وإنقاذ الشعوب من تسلط الجائرين, وهذا غاندي حرر الهند مستمداً من هذه الثورة المعطاءة حيث يقول: (تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً لأنتصر).

وخلاصة القول: إن الظروف التي أدت إلى قيام الثورة الحسينية متى تكررت مثيلاتها, فتسلط على رقاب الناس من ليس له لياقة لقيادة الأمة, ويعمل بكل ما اُوتي من قوة للقضاء على معالم الدين, ومتى استشرى الظلم والفساد, وشعر الناس أنهم يمتهنون ويستعبدون, وتاقت أنفسهم إلى الحرية وتغيير الواقع السيء, كانت الثورة الحسينية المثل الأعلى الذي ينبغي الاقتداء به في التضحية والفداء من أجل رفع راية الحق والعدل, والتخلص من المحن والآلام, والتصميم على تحرير الشعوب من نير الظلم والطغيان.

وعلى الصعيد الإسلامي, فكلما مني الإسلام بحاكم جائر, يتسلط على رقاب المسلمين, يعمل على مسخ عقيدتهم, وإبعادهم عن سنن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم), وحكّم فيهم السيف, ونشر الظلم والعدوان, وجد الثورة الحسينية سداً منيعاً يغلق أمامه الطريق, لأنها تحفز الجماهير المسلمة للوقوف بوجه الطغاة والمنحرفين, وتدهم بروح الثورة على ما داهم دينهم من خطر, والتضحية تأسياً بإمامهم السبط الشهيد (عليه السلام) .

لذا فإن إذكاء روح الجهاد والتضحية والاستعداد للشهادة والاجهاز على الظلم والجور أصبح سمة من سمات الشعوب الإسلامية التي تؤمن  بخط أهل البيت (عليهم السلام)  وتهتدي بهداهم, والشباب هم القوة الضاربة المضحية التي تستعد لتملأ ساحات الجهاد مشكلة كتائب المجاهدين.

مما تقدم نتعرف على السر الذي يدعو الطغات إلى محاربة الشعائر الحسينية وملاحقة الشباب لثنيهم عنها, فهذه الشعائر هي مدرسة للأجيال تعلمهم معالم الدين, وتوضح لهم أن لا عبودية إلا لله تعالى, وهي ترويض للشباب للإستعداد الى التضحية نصرة للدين والحق, ولمحاربة الضلال والظلم والجور.

ولما كان الشعب العراقي شعبا متدينا وحسينيا لا يرضخ للظلم, ولا يرى عبودية إلا لله  U, فقد نهض شبابه الذي هو مادة الثورات والقوة التي تدافع بها الشعوب عن مجدها, نهض ليثأر لشهدائه من العلماء والخطباء الذين هم اللسان الناطق ووسيلة الإعلام لثورة السبط الشهيد (عليه السلام).

نهض شباب العراق عام 1977 م بانتفاضة صفر وثبتوا لأداء دور جهادي أمام قسوة النظام الجائر الذي سجن الأحرار وأعدم خيار الناس, لم يهابوا سطوته وبطشه ولم تثنهم ممارساته الإجرامية من سجن وإعدام وتعذيب فلم يستطع أن يقضي على الروح الجهادية الوثابة المستمدة من ثورة السبط الشهيد (عليه السلام) الذي أعلنها صريحة : (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).

إن الروح الجهادية والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشباب أجبرت الحكم البائد على التراجع والسماح في العام الثاني, فخرجت الجماهير من المشاة بشكل أكبر وأوسع.

ولكن الحكم الجائر عاد إلى تعنته واستمر عليه حتى كانت انتفاضة شعبان 1991 م حيث اندفع الشباب الحسيني وكاد أن يوقع بالحكم الفاسد, ولكن قوى الظلم استطاعت أن تفتك بالشباب وتدفن الآلاف منهم أحياءً في مقابر جماعية ملأت أرض العراق الحبيب.

إن استشهاد عشرات الآلاف لم تثن من بقي من إخوانهم عن سلوك النهج الحسيني حتى سقوط الحكم المباد.

ولا زلنا اليوم نلاحظ أتباع الحكم البائد ومن تحالف معهم من التكفيريين يحاولون طمس معالم الثورة الحسينية بالقتل على الهوية والتفجير, ولكن ذلك لم يؤد إلا إلى توسع الحركة الحسينية وقوتها, حتى شهدنا في الأعوام الماضية توافد ما قدر بأكثر من عشرة ملايين لزيارة الإمام (عليه السلام) يوم الأربعين.