دوافع الشباب الحسيني للجهاد

السيد عبد المطلب الموسوي الخرسان

كان التعصب القبلي سمة من سمات الجاهلية, تدعو الإنسان للدفاع عن القبيلة, وخوض غمار الحرب استجابة لرغبات رئيس القبيلة, سواء كانت القبيلة محقة في صراعها مع غيرها أم كانت على باطل, وكانت الأهداف التي يقاتل من أجلها المحاربون في الغالب أهدافاً تافهة لا تستحق التضحية ولا تحمل الأذى.

وكان الشباب هم الوقود الذي تستعر به الحروب بين القبائل وهي تغزو بعضها البعض من أجل النهب والسلب, ثم تتحول القضية إلى الثأر والتشفي, لتستمر الحروب لفترات طويلة بين كرٍ وفر, لتستغرق عقوداً من الزمن ترتكب فيها أفضع الجرائم, وتخلف وراءها اليتامى والأرامل, وتمارس فيها عمليات النهب والسلب, وأخذ الأسرى الذين يباعون بأسواق النخاسة, فتكونت طبقة من المماليك من البشر يستخدمون ويمتهنون ويتجر بهم النخاسون..

وبعد فتح مكة توجه جيش المسلمين إلى الطائف في واقعة حنين الشهيرة, وكان في الجيش عدد من مسلمي الفتح ولم يكن هؤلاء أهل بصيرة حيث لم يتمكن الإيمان من  نفوسهم وهم المؤلفة قلوبهم الذين أظهروا الإسلام استسلاماً, كما كان في الجيش عدد ممن بقي على الشرك وخرج هؤلاء جميعا استجابة للعصبية القبلية.

وما إن حمي الوطيس واشتد القتال حتى فر هؤلاء, وتبعهم سائر الجيش بالفرار, وكان معهم أبو سفيان, وكان يحمل في كنانته الأنصاب, فأظهر الشماتة بالمسلمين وقال : (لقد بطل سحر محمد, إن هزيمتهم لا تنتهي إلا عند البحر).

إن الإسلام غير قواعد الجاهلية واستبدلها, ولم يقر منها إلا ما يتناسب مع إنسانية الدعوة وسماحتها, وما ورثته من أحكام الرسالات السابقة, ومن أهم ما غيره الإسلام قواعد الحرب وممارساتها, فأقر الدفاع بدل الاعتداء, واعتمد الإيمان والجهاد في سبيل الله بدل العصبية القبلية, وفرض على المؤمنين من أتباعه أن يكونوا دائماً مع الحق ضد الباطل.

على هذه الأسس النبيلة بدأ النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) مسيرة الجهاد وعليها خاض المسلمون الأوائل غمار الحرب طمعاً بنيل الشهادة من أجل نصرة الحق وإقامة صرح الإسلام الشامخ.

وإذا كان قتال المشركين تحت راية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على التنزيل, فإن ما حصل من انحراف بعد ذلك دعا أهل البيت G للقتال على التأويل, فكانت حروب الامام علي (عليه السلام) , ثم كانت النهضة الحسينية على النهج الذي اختطه النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ووضع اُسسه القويمة.

لم تكن العصبية القبلية دافعاً وهدفا لأي رجل ممن وفق لنصرة الحسين (عليه السلام) يوم الطف, ولكنها القناعة بأهداف الثورة وتوجهاتها, والاعتقاد بأن التضحية كانت ضرورة ملحة لإيقاض الضمائر, وتجديد الدعوة الاسلامية, والتمييز بين الحق والباطل, وتضييع الفرصة على من أراد هدم صرح الإسلام, وطمس معالمه النيرة وآفاقه المضيئة من أئمة الجور, من أجل إعادة الناس إلى جاهلية عمياء.

ولابد أن نلاحظ أن الحسين (عليه السلام) في نهضته لم يستغفل أحداً, بل كان واضحاً كل الوضوح في عرض قضيته, والنهج الذي يريد أن ينهجه في مسيرته الجهادية, لقد بين للناس أهدافه ورسم لهم مصيره ومصير أصحابه وهو بعد في مكة المكرمة حيث قال موضحاً هدفه السامي : (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به, وإلى الباطل لا يُتناهى عنه) , ثم أعقب ذلك بقوله : (فمن لحق بي استشهد).

 إنه التصميم على الدفاع عن الحق والاستعداد للتضحية والشهادة لنصرة الدين الحنيف, وقد تبع الإمام الحسين (عليه السلام) من تبعه على هذا النهج الواضح حيث كان يؤكد لهم المرة تلو الأخرى أنه ماض للشهادة في سبيل الله تعالى, فلم يتخلف أحد منهم, بل بقوا على العهد وفاء إمام معصوم افترض الله تعالى طاعته وولايته.

إن المؤشرات التي أحصاها التأريخ والتي تدل على هدف من انضم إلى الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته كثيرة, ومن أروع نماذجها ما روي من أن الحسين (عليه السلام) استرجع وحمد الله تعالى وهو على راحلته تجد به السير, وكان إلى جانبه ولده علي الأكبر (عليه السلام) , فقال له : مم حمدت الله واسترجعت؟!.

فقال الحسين (عليه السلام) : يا بني إني خفقت خفقة, فعن لي فارس على فرس, وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم, فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.

فأجابه الولد البار : يا أبةِ لا أراك الله سوءاً, ألسنا على الحق؟

قال : بلى, والذي إليه المرجع والمعاد.

قال: فإذاً لا نبالي أن نموت محقين.

ونموذج آخر لهذه العقيدة الحقة أبو الفضل العباس (عليه السلام) حيث ارتجز عندما قطعت يمينه قائلا :

والله إن قطعتموا يميني

 

إني اُحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

 

سبط النبي الطاهر الأمين

 

إنه الدفاع عن الحق وعن الدين وعن الامام المعصوم الذي افترض الله طاعته استجابة لأمره تعالى والتزاماً بما جاء به رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وإذا كان هذان النموذجان للعلويين, فلم يسر الأنصار إلا على هذا النهج, ومن نماذجهم الرائعة غلام قتل أبوه في المعركة, جاء إلى الامام الحسين (عليه السلام) يتوسل إليه أن يأذن له بالقتال, فلم يسمح له , فذهب يستنجد بأمه لتتوسط إلى السبط ليأذن له, فأذن له لما رأى من إصراره وإصرار أمه على المواساة له (عليه السلام) فارتجز الغلام قائلا:

أميري حسين ونعم الأمير

 

سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه

 

فهل تجدون له من نظير

 

 

=========

مجلة الروضة الحسينية / العدد18