كربلاء و "الغيبة الكبرى" إمتحان الكتاب المفتوح وإمتحان الكتاب المغلق

د. علي المحجوب

الصورة: صلاح السباح

يوجدُ في الأكاديميات -لمن مرّ عليه ذلك- نوعان أساسيّان من الإمتحانات.

أحدهما "بكتاب مفتوح" يجوز فيه للممتَحَن أن يتوسّل -حال الإمتحان- بأيٍّ من الكتب قصد الإجابة عن أسئلة الإختبار. ويكون هذا الإمتحان صعبا قائما على الإستنباط والمعالجة العقليّة للعلوم والمعلومات، فلا يكون المطلب معلومةً مجرّدةً على طريقة "هذه بضاعتكم رُدّت إليكم". فلا ضير آنذاك في أن يتوسّل الطّالب بالكتاب فإنّه على أيّ الأحوال ممتَحَن في التّأليف والتّحليل والإستنباط لا في رصّ المعارف والمعلومات. أمّا الثّاني من الإمتحانين -الكتاب المغلق- فلا يُسمح فيه بشيءٍ من ذلك، ولا غرابة آنذاك أن تكون المعلومة - التي هي عين الإجابة عن السّؤال - موجودة في الكتاب.

أمّا الذين كانوا في زمن الحضور الفعليّ الجسمانيّ الظّاهر للإمام "المعصوم/ مفترض الطّاعة" فقد كانوا في امتحان كتاب مفتوح، إذ كان الإمام -الذي هو القرآن النّاطق- بين ظهرانيهم، يتوسّلون به متى ما أرادوا ذلك، إلّا أن يكونوا معرضين عنه. ولعلّ ذلك شيءٌ ممّا كان من قول أمير المؤمنين للنّاس في زمانه أنْ "سلوني قبل أن تفقدوني"، وما كان في زمن الحسن عليه السّلام إذ قد فُتن النّاس ليعلم الله من إلتزم توجيه الإمام ممّن قد خالجه الشّكّ في الإمامة حتّى إذا دخل على الحسن بن عليّ عليهما السّلام بعد الصّلح الذي كان، سلّم عليه هكذا:" السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين". ثم ما قد كان -يا صاحبي- في زمن الحسين بن علي عليهما السّلام، هنالك ابتُلِيَ المؤمنون وزُلزلوا زلزالا كبيرا.

على ذلك الصّعيد من كربلاء، فُتِحَت كلّ الكتب دفعة واحدة حتّى لم يبقَ للنّاس على الله من حجّة بعد مقالات الحسين عليه السّلام وأصحابه وهم حواريّوه وأصحابُ البصيرة النّافذة.

وأمّا نحن الذين ابتُلينا بفقد نبيّنا وغيبة وليّنا فإنّنا في زمن امتحان "الكتاب المغلق". ولقد ترى أنّنا نعيش في زمن يعجّ بالفتن فنجاهد من أجل إلتزام شريعة آل بيت النّبوّة ولزوم سراطهم، سراط الله العزيز الحكيم.

ثمّ اسمع وعِ قول أمير المؤمنين إذ قد قرأ قوله تعالى ﴿ألا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ثم قال عليه السلام: "تدرون مَن أولياء الله؟ قالوا: مَن هم يا أمير المؤمنين؟ فقال: هُم نحن وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا وطوبا لهم، وطوباهم أفضل من طوبانا، قيل: ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال: لا، لأنهم حملوا ما لم تحملوا عليه وأطاقوا ما لم تطيقوا".

وأيّما الأجلين أتممنا – إمّا الموت وإمّا الظّهور الشّريف- فإنّه سائقنا لا محالة إلى فتح الكتاب وكشف الغطاء، فالأبصار يومئذ حديدة.

اللّهمّ سلّم، اللّهمّ سلّم.