الحق يعلو ولا يعلى عليه

 

سيد صباح بهبهاني

 

هذا الشهر شهر محرم الحرام، شهر أمرنا أن لا نقاتل فيه، وشهر التقرب إلى الله بصالح الأعمال والإرشاد والتوعية السلمية ..هذا شعار الاسلام والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن معاوية دخل الحرب للقضاء على المدرسة التي أرساها الإسلام.. ومعه حاشية طويلة عريضة، من الذين كانوا للإسلام أعداء متربصين به من داخل العالم الإسلامي ومن خارجه.

أمر معاوية بسب الإمام علي على المنابر في خطب الجمعة، التي كانت تقام في مساجد المسلمين.. ومات معاوية وقد خلف وراءه أمة ضائعة مستهلكة في الفرد، لا تجد طريقها الى الصواب، وهي حائرة في أمرها.. إلا أنه كانت بين الأكثرية فئات تستوعب ما وصل إليه الحال، وعلى رأس هذا النفر القليل الإمام الحسين بن علي سبط الرسول وريحانته.

لقد أراد الحسين (سلام الله عليه) أن ينقذ الأمة في أصعب ساعات حياتها.. وبذل قصارى جهده في سبيل ذلك، ولكنه (منع من) الوصول إلى ما كان يصبو إليه.

إن الحركة التي بدأها الحسين (سلام الله عليه) لتغيير الوضع الذي فرضه معاوية وأنصاره على الأمة، لم تكن حركة ثورية فحسب!.. بل كانت حركة فلسفية علمية، بنيت على قواعد أساسية لتغيير مسار "الأمة" وإخراجها من الظلمات إلى النور، ودفعها إلى الأمام وإحيائها بعد إضاعة.

وإن ثورة الحسين أنقذت الإسلام وصانته من الأعادي.. ليس في ذلك العصر فقط، بل وحتى يومنا هذا.. وصرخة كبرى ودوى في العالم الإسلامي وفي خارجه: أن يزيد هذا لا يمثل الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا الأمة الرشيدة التي كانت في الساحة في عهد خلافة الراشدين، بل إنه عنصر غريب عن الإسلام ولا صلة له به.. فلولا هذا ما انبرى للوقوف في وجهه سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وابن علي وفاطمة الزهراء، والذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (حسين مني، وأنا من حسين)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).

فإذن، إن المؤامرة التي حيكت على يد معاوية، ومن ثم ابنه يزيد للقضاء على واقع الإسلام وحقيقته، وبمؤامرة رومانية هرقلية، أصبحت مكشوفة، وعرف الناس من الشرق إلى الغرب أن الإسلام الصحيح والمبادئ العظيمة التي جاء بها رسول الله (ص) لا صلة لها بهؤلاء الحكام، الذين نصبوا أنفسهم على الأمة ظلما وعدوانا، وهم يريدون طمس دين محمد صلى الله عليه.. وأثبت ذلك الإمام الحسين يوم عاشورا قبيل المواجهة بينه وبين عساكر الأمويين:

إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني!..

يجب علينا أن نفهم معنى ثورة الحسين عليه السلام!.. عليكم أولا أن تبحثوا في مفاهيم ومضامين ثورة بطل الأحرار الحسين (ع) ..

ونخبركم لماذا نبكي على هذه الشخصية العظيمة والفذة، والقائد الملهم، والرجل ذي المواقف الرجولية والبطولية.. فأقسم إذا عرفت الحسين -عليه السلام- حق المعرفة، أنك سوف تبكي بدل الدموع الدم، بل أقوى من ذلك بكثير.. علمنا الحسين (عليه سلام الله) أن الإسلام هو أن تعبد الله فقط، ولا تعبد غير الله، ولا تخف من يزيد الذي حرف معالم دين الله القويم.

.. ولقد نظم الإمام الشافعي مدحا لفقه أهل البيت (عليهم السلام) إذ قال:

ولمــا رأيت النـــاس قد ذهبت بهم *** مذاهبهم في ابحــر الغي والجهل

ركبت على اسم الله في ســفن النجا *** وهم اهل بيت المصطفى خاتم الرسل

مســــــكنا بحبل الله وهو ولاؤهم *** كمـا قـــد امرنا بالتمسك بالحبل

إذا افترقت في الدين ســــبعون فرقة *** ونيفا كمـا قد صح في محكم النقل

ولم يك نـــاج منهــم غير فرقــة *** فقــل لي بها يا ذا الرجاجة والعقل

أفي فــرق الهـــلاك ال محمـــد *** أم الفرقــة اللائي نجت منهمُ، قل لي؟

فإن قلت في النــــاجين فالقول واحد *** وان قلت في الهلاك حفت عن القول

إذا كان مولى القـــوم فيهــم فإنني *** رضيت بهــم ما زال في طلهم طلي

فخلي عليــا لي امامــا ونســـله *** وانت من البـــاقين في سائر الحل

إن هذا الاعتراف الصريح من أحد أئمة الفقه، الذي يرجع إليه ملايين المسلمين منذ قرون وقرون، يثبت بصورة لا شك فيها ولا جدال، أن نظرتنا في الإمامة والخلافة إنما هي نظرة ثاقبة.