في بعض الكلام المنسوب خطأً إلى الحسين عليه السلام.. دعوة إلى الإنتباه
د. علي المحجوب
الصورة: صلاح السبّاح
يجدر بالمؤمن إذا ما أراد نقل الحديث عن أئمّة الهدى من آل بيت النّبوّة أن يتحرّى صدور الكلام عنهم صلوات الله عليهم. وقد ضبط علماء الجعفريّة -أعلى الله برهانهم- ذلك ودقّقوه أيّما تدقيق. وَتجدر الإشارة إلى أنّ بعض ما يُتداول مُشافهةً من بعض الكلام قد نُسب خطأً إلى سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السّلام، فلعلّنا -بالتّناصح- نتّقي شرّ التّقوّل على أئمة الهدى من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
أمّا قول "إنْ كان دين محمّد لم يستقم إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني"، فإنّ الحسين الشّهيد عليه السّلام لم يقله. وقد يقع الإشتباه عند بعض المؤمنين بين "مقالة المعصوم" و"لسان الحال"، فإنّ هذا قول الشّاعر الشّيخ "محسن أبو الحبّ" متحدّثا بما يعتقد أنّه لسان حال السّبط الشّهيد في يوم العاشر من محرّم الحرام.
وكذلك حال أقوالٍ أخرى، فَتحرّاها أخي -مأجورا- تجدها.
ومنها قول أحدهم:
" كبرت كلمة!
وهل البيعة إلّا كلمة؟
ما دين المرء سوى كلمة،
ما شرف الرجل سوى كلمة ... ".
فإنّه مقطع من قصيدة للشّاعر المصريّ "عبد الرّحمان الشّرقاوي" يتحدّث بما يعتقد -هو- أنّه لسانُ حال الحسين عليه السّلام إذ دعاه الوليد بن عقبة -وكان واليا لبني أميّة على المدينة المنوّرة- إلى أن يبايع يزيدا عليه لعنة الله. وقد تناقلت التلفزيونات المصريّة هذا القول على لسان بعض فنّانيها ثمّ تلقّفتها مواقع التّواصل الإجتماعيّ فجعل النّاس ينشرونها على أنّها عين كلام سيّد الشّهداء. وإنّ الحسين عليه السّلام ما قال ذلك للوليد، فتحرّى أخي -مأجورا- قوله عليه السّلام في محاورته التي كانت مع والي بني أميّة تجده في كتبنا المعتبرة، وقد صار الوصول إليها هيّنا يسيرا. أمّا الإشتباه في هذا القول، فإنّ الأمر فيه أخطر، ذلك أنّ وجود نصّ المحاورة باللفظ الشّريف الصّادر عن الإمام عليه السّلام ينسخ بعد ذلك كلّ حاجة إلى تمثّل قول ما يُعتقد أنّه لسان حال الإمام، فإنّه لا يُستعاض عن كلامه الشّريف بغيره، إلّا أن يكون ذلك في باب التّفسير لكلامه عليه السّلام إذا ما استعصى على القارئ أو السّامع فهم كلامه الشّريف في أصل لفظه.
ومِثله أيضا قول أحدهم:
تركتُ الخلق طرّا في هواك
وأيـتـمتُ الـعيال لـكي أراك
فلو قطّعتني في الحبّ إربا
لـما مـال الـفؤاد إلـى سـواك
فإنّه لم يثبت في كتب السّير ولا كتب التّاريخ أنّهما من نظم الإمام الحسين أو أنّه عليه السّلام قد تمثّل بهما في كربلاء أو في غيرها. وينسب بعضهم هذين البيتين إلى "إبراهيم بن أدهم البلخي" المعروف بالتصوُّف، وينسبهما آخرون إلى "رابعة العدويّة" المعروفة أيضا بالتّصوّف. وقد لا يخفى عليك -يا أخي- نهي أئمة أهل البيت عليهم السّلام عن الرّكون إلى هذه الطّائفة. وتذكر دائما -أخي- قول أمير المؤمنين عليه السلام لصاحبه كميل بن زياد -رضي الله عنه- :"يا كميل، لا تأخذ إلّا عنّا تكن منّا".
ولا يبْعُدُ أن يَعْرضَ لبعض هذه الأبيات خللٌ عقائديّ، ولو لم يقصد بعض الشّعراء ذلك، فانتبه أخي -مأجورا- إلى الخطر ههنا إذا ما أنت نسبت القول إلى المعصوم عليه السّلام عن غير وجه حقّ، بل إنّه في كلّ نسبة غير قوله -عليه السلام- إليه خطأ، صحيحا كان القول أم فيه علّة.
أخي المكلُوم بالحسين، لعلّه لا إشكال في تمثّل بعض هذه الأقوال في المجلس الحسينيّ عند ذكر المصيبة أو في غيره من الموارد كصفحات التّواصل الإجتماعيّ أو المقالات أو غيرها، إنْ أنت توخّيتَ نسبة القول إلى صاحبه، وتحرّيت قبل ذلك مطابقته للواقع، إلّا أنّه ليس لأحدنا على أيّ حالٍ أن ينسب -متعمّدا- غير قول المعصوم إليه، فإنّ كلامهم عليهم السّلام كلام جدّهم صلوات ربّي عليه وآله وإنّ كلام جدّهم كلام الله تعالى وأنّه لا يختلط بشيء من كلام المخلوقين.
أعيذ نفسي وإياك -أخيّ- بالله العظيم من التقوّل على النبيّ وآله، ثمّ أستغفر الله لي ولك ولوالديّ ولوالديك.
والسّلام على الحسين.