عاشوراء .. قصة الكبش المذبوح الذي أبكى الأنبياء وتشفّع به الملك فطرس

لم تكن عاشوراء حادثة عظيمة فحسب بل حادثة كونية سبقت شهرتها أوان وقوعها، والاحاديث المتواترة بهذا الخصوص كثيرة ولعل من مصاديق كونية هذه الحادثة وسر عظمتها هو بكاء الانبياء والملائكة والجن والمخلوقات الاخرى على مقتل سبط خاتم الانبياء الإمام الحسين (عليه السلام).

آدم (ع) يبكي الحسين (ع)

فقد روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) فلقَّنه جبرئيل: يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقِّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان.

فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي!! قال جبرئيل: ولدُك هذا يُصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي وما هي؟ قال: يُقتل عطشانا غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم، وهو يقول: واعطشاه، واقلَّة ناصراه، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحد إلاَّ بالسيوف، وشرب الحتوف، فيُذبح ذبح الشاة من قفاه، ويَنهبُ رحلَه أعداؤه، وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان، ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى».

ويتكرّر لقاء آدم (عليه السلام) بالحسين حينما يهبط إلى الأرض طائفاً فيها، فيمرّ بكربلاء، فيغتمّ ويضيق صدره من غير سبب، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإنّي طفت جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض.

فأوحى الله إليه: يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمُك موافقة لدمه..».

نوح (عليه السلام) يذكر الحسين (عليه السلام)

ورُوِيَ أنّ نوحاً (عليه السلام) لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا، فلما مرَّت بكربلاء أخذته الأرض، وخاف نوح الغرق فدعا ربّه وقال: إلهي طفت جميع الدنيا، وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض. فنزل جبرائيل وقال: يا نوح، في هذا الموضع يُقتل الحسين (عليه السلام) سبط محمّد خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأنبياء، فقال: ومن القاتل له يا جبرئيل؟ قال: قاتله لعين أهل سبع سموات وسبع أرضين، فلعنه نوح أربع مرات فسارت السفينة حتى بلغت الجوديّ، واستقرّت عليه».

إبراهيم (عليه السلام) يبكي الحسين (عليه السلام)

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «لمّا أمر الله عزّ وجلّ إبراهيم (عليه السلام) أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش... أوحى الله إليه: يا إبراهيم من أحبُّ خلقي إليك؟ فقال: يا ربّ ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد (صلى الله عليه وآله)، فأوحى الله إليه: أفهو أحبّ إليك أم نفسك؟ قال: بل هو أحبُّ إليَّ من نفسي. قال تعالى: فولده أحبُّ إليك أم ولدك؟ قال: بل ولده... قال تعالى: يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش، ويستحقّون بذلك سَخَطي، فجزع إبراهيم (عليه السلام) لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي....

موسى (عليه السلام) يلعن قاتل الحسين (عليه السلام)

ورُوي أنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعلُه، وانقطع شِراكُه، ودخل الحسكُ في رجليه، وسال دمه، فقال: إلهي أيُّ شي‏ء حدث مني؟ فأُوحي إليه: «أنّ هنا يُقتل الحسين، وهنا يُسفك دمه، فسال دمك موافقة لدمه... فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه، وأمَّن يوشع بن نون على دعائه...».

 

عيسى (عليه السلام) يدعو على قاتل الحسين (عليه السلام)

ورُوي أنّ عيسى (عليه السلام) كان سائحاً في البراري، ومعه الحواريّون، فمرّوا بكربلاء فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق، فتقدّم عيسى إلى الأسد فقال له: لِمَ جلست في هذا الطريق؟.. فقال الأسد بلسان فصيح: إنّي لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين (عليه السلام)... فرفع عيسى (عليه السلام) يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمَّن الحواريّون على دعائه فتنحَّى الأسد عن طريقهم ومضَوْا لشأنهم.

محمّد (صلى الله عليه وآله) يبكي الحسين (عليه السلام)

وتدخل أمُّ الفضل على خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله) بعد ولادة الحسين (عليه السلام) فتجده فتقول له: ممّ بكاؤك يا رسول الله؟! فقال (صلى الله عليه وآله): «إنّ جبرئيل أتاني وأخبرني أنّ أمّتي تقتل ولدي هذا».

 

فطرس يتشفع بالحسين (ع)

 فطرس اسم لملك طُرد من الجنة، وهبط إلى الأرض، ولمّا وُلد الإمام الحسين عليه السلام تشفّع به إلى رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ليشفع له عند الله تعالى لما صدر منه من تقصير في عبادته. ومنذ ذلك الحين صارت وظيفة فطرس إبلاغ الإمام الحسين عليه السلام من المؤمنين المسلمين عليه. ويسمّى (عتيق الحسين) وأيضاً صلصائيل كما في بعض الأخبار.

ارادة سماوية وطغيان أموي

من المعروف ان خلفاء  المسلمين بعد رسول الله (ص) هم الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) وذلك بأمر من الله عزّ وجلّ وبتبليغ من رسول الله (ص) الا ان بنو أمية و بنو العباس وغيرهم  لم يرق لهم الامر، فاتبعوا أساليب الترهيب والقتل تارة والترغيب بالأموال تارة أخرى للوصول الى الحكم.  

وعلى هذا الاساس لم يكن أمام الإمام الحسين (ع)وهو أحد الأئمة الاثني عشر الا ان يتنازل عن حقه في الخلافة ويبايع يزيد بن معاوية او ان يرفض البيعة لحاكم ظالم لا يرقب الله عزّ وجلّ  في الرعية ولا يتورع عن سفك الدماء، لذا رفض الإمام الحسين (ع)  البيعة ولكنه عرض خيارين لأحد قادة الجيش الاموي وهو عمر بن سعد بدلاً من قتاله وهما : دعوني أرجع الى المكان الذي أقبلت منه، أو أذهب في هذه الأرض العريضة.

فأرسل عمر رسالة الى عبيد الله بن زياد يذكر له ذلك, لكن ابن زياد أجابه برسالة أرسلها بيد شمر بن ذي الجوشن مضمونها : اني لم أبعثك الى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعذر عنه ولا لتكون له عندي شافعاً, أنظر فان نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم لي سلما وإن أبوا فازحف اليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم …

صدى دائم وطقوس متجددة

مضى على مقتل الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وطفله الرضيع واصحابه في واقعة الطف سنة 61 للهجرة ما يقارب  1400 سنة ولا تزال تلك الاحداث حاضرة في النفوس تستنهض الارادات وتلهب المشاعر متخطية الحدود والحواجز والهويات، وفي كل عام  في العاشر من محرم  وفي أربعينية الإمام الحسين (ع) يحضر الملايين ومن كل انحاء العالم الى مرقد سيد الشهداء (ع) ليحيون الذكرى الاليمة، وشهدت كربلاء والمدن الاخرى في ذكرى الاربعين فعاليات انسانية  وتقاليد اجتماعية وحتى أنشطة ثقافية ومعرفية من قبيل التشجيع على القراءة بتوفير الكتب  وغير ذلك من فعاليات انطلاقا من قضية عاشوراء الداعية الى بناء الدولة على أسس العدالة والرفاه والتقدم.  

عاشوراء بعيون العظماء

قال الدكتور المسيحي انطوان بارا مؤلف كتاب (الحسين في الفكر المسيحي ) (لم تَحْظَ ملحمةٌ  إنسانيّة في التاريخَين: القديمِ والحديث، بمِثل ما حَظِيَت ملحمةُ الاستشهاد في كربلاء، من إعجابٍ ودرسٍ و تعاطف، فقد كانت حركةً على مستوى الحادث الوجدانيّ الأكبر لأمّة الإسلام بتشكيلها المنعطفَ الروحيّ الخطيرَ الأثر في مسيرة العقيدة الإسلاميّة، والتي لولاها لكان الإسلام مذهباً باهتاً يُركَنُ في ظاهر الرؤوس ، لا عقيدةً راسخةً في أعماق الصدور، وإيماناً يترعرع في وجدان كلّ مسلم. لقد كانت ( كربلاء ) هزّة، وأيّة هزّة ..! زلزلت أركانَ الأمّة مِن أقصاها إلى أدناها، ففتّحت العيون، وأيقظت الضمائرَ على ما لسطوةِ الإفك والشرّ من اقتدار، وما للظلم من تلاميذ على استعدادٍ لزرع ذلك الظلم في تلافيف الضمائر؛ ليغتالوا تحت سُتُرٍ مزيّفة قيمَ الدِّين، وينتهكوا حقوقَ أهليه).

وقال ايضا انطوان بارا في كتابه نقلا عن احد القسيسين ( لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين).

وقال الزعيم الهندي غاندي ( لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين ).وقال ايضا(تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر ).

وقال الآثاري الإنكليزي وليم لوفتس(لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة.))

وقال المستشرق الألماني ماربين (قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر ان الظلم والجور لا دوام له. وان صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر الا انه لا يعدو ان يكون امام الحق والحقيقة الا كريشة في مهب الريح.)

وقال المستشرق الإنجليزي ادوارد بروان ( وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها).

وقال الهندوسي والرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي تاملاس توندون ( هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الإمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري، وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد، وتذكر على الدوام).

وقال الباحث الإنكليزي جون أشر( إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي )

وقال المستشرق الهنغاري أجنانس غولد تسيهر (قام بين الحسين بن علي والغاصب الأموي نزاع دام، وقد زودت ساحة كربلاء تاريخ الإسلام بعدد كبير من الشهداء.. اكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهراً عاطفياً )

وقال توماس كاريل – الفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي ( أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله وقد أثبتوا بعملهم ذاك أن التفوق العددي لا أهمية له حين المواجهة بين الحق والباطل والذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلة الفئة التي كانت معه.

المصدر: وكالات ومصادر تاريخية

متابعات: فضل الشريفي