هل أنا سلم للحسين (عليه السلام)؟

 

يحيى الفتلاوي

كل زائر للإمام الحسين عليه السلام لا بد له أن يقرأ زيارة عاشوراء يوما، فيطالع في هذه الزيارة تلك الكلمات العظيمة التي تحدد نوعا من السلوك المفترض لكل مؤمن أو محب لأهل البيت عليهم السلام عامة وللإمام الحسين عليه السلام خاصة، والتي تعطي صورة جلية لصفة مهمة من صفات الإنسان المؤمن أو الحسيني إن لم تكن أهمها.

نعم إنها تلك الكلمات التي تقول: أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم.

 وهنا لا بد لكل مؤمن أن يتوقف ويتمعن قليلا في هذه الكلمات ويسائل نفسه ويعترف لها بصدق: هل أنا كذلك؟

هل أنا مصداق واقعي لهذه الكلمات أم لا؟

هل أنا سلم لإخواني المؤمنين لا أغتابهم، ولا اسبهم، ولا احقد عليهم، ولا أتكبر، ولا غير ذلك؟ امتثالا لقول الإمام علي عليه السلام: "إنَّ أخاك حقاً من غفر زلتك، وسدَّ خلتك، وقبل عذرك، وستر عورتك، ونفى وجلك، وحقّق أملك"

 هل أنا أخ لإخواني المسلمين كافة بشكل عام وبخاصة أتباع أهل البيت عليهم السلام وإن كان لي معهم اختلاف في رأي أو مسألة في هذا الموضوع أو ذاك، أو كان بيننا اختلاف في مفصل معين من مفاصل الدين او الاخلاق كالتقليد وغيره؟

هل أنا عون لهم عند شدائدهم أرفع عن كواهلهم بعض أعباء الحياة الصعبة؟ فأكون كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "خصلتان ليس فوقهما من البرّ شيء: الإيمان بالله، والنفع لعباد الله، وخصلتان ليس فوقهما من الشرّ شيء: الشرك بالله، والضرّ لعباد الله"

هل أسعى لزرع الفرحة على وجوههم ولو بزيارة عند مرض أو بكلمة طيبة عند مشكلة أو بسلام مصحوب بابتسامة عند اللقاء؟ حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:أن "من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقاً على الله أن يكرم زائره"

وعن  الإمام الصادق عليه السلام:أن "ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عزّ وجلّ: أيّها الزائر طبت وطابت لك الجنة" وعن الإمام علي عليه السلام إذ قال "إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا، وأظهروا لهم البشاشة والبشر، تتفرقوا وما عليكم من الأوزار قد ذهب" وعن الإمام الكاظم عليه السلام: "ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض".

 

فهل أنا كذلك أم أنني عكس ذلك؟

فإن كنتُ كذلك فطوبى لي وهنيئا.

وإن كنتُ عكس ذلك فعلي أن أراجع نفسي منذ الآن..

علي منذ الآن أن أقوّم نفسي وأسعى لجعلها كذلك، وكفى بي غفلة..

ولعل الفاصل الذي حال بيني وبين أن أكون كذلك هو الشطر الثاني من تلك الكلمات، أي أنني لم أحارب أعداء الحسين عليه السلام، الذين كان أبرزهم حب الدنيا والنفس الأمارة بالسوء والشيطان والطمع بالمناصب والمكاسب.

نعم إنهم هم الأعداء الحقيقيون للإمام الحسين عليه السلام، فلولاهم لما فعل المجرمون أمثال يزيد وابن زياد وشمرا وأتباعهم ما فعلوا.

وفي هذا سُئل عليّ بن الحسين (عليه السلام) : أيّ الأعمال أفضل عند الله ؟.. قال : ما من عمل بعد معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة رسوله (ص) أفضل من بغض الدنيا ، فإنّ لذلك لشُعباً كثيرة ، وللمعاصي شعب ، فأوّل ما عُصي الله به الكبر ، معصية إبليس حين { أبى واستكبر وكان من الكافرين } . . ثمّ الحرص وهي معصية آدم وحواء (عليهما السلام) حين قال الله عزّ وجلّ لهما : { كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } فأخذا ما لا حاجة بهما إليه ، فدخل ذلك على ذرّيتهما إلى يوم القيامة ، وذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه . ثمّ الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله ، فتشعّب من ذلك : حبّ النساء ، وحب الدنيا ، وحبّ الرياسة ، وحبّ الراحة ، وحبّ الكلام ، وحبّ العلوّ والثروة ، فصرن سبع خصال ، فاجتمعن كلّهنّ في حبّ الدنيا ، فقالت الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حبّ الدنيا رأس كل خطيئة ، والدنيا دنياءان : دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.

إذن.. منذ الآن علي أن أكون بالدرجة الاولى حربا لغوايات نفسي ورغباتها وأطماعها ومماطلاتها وتسويفاتها، وحبها للدنيا وزخارفها .. واتباعها للشيطان ووساوسه ومصائده ومكائده وحبائله، وأن أكون خصما ثابتا للظالمين ولا أخشى سطوتهم وعنادهم ..

 وعلي بالصبر في تلك الحرب ، لأنني بلا صبر قد لا أكمل مشوار التكامل إن اعترضني يوما ما فشل ، أما إن تحليت بالصبر فاني سأواظب وأجدُّ وأجتهد فيها، وعلي أن أكون مؤمنا بان الصبر سيوصلني إلى النتائج المرجوة، وأن الوهن سيقعد بي عن ذلك.

نعم علي أن أحاول مرة بعد أخرى، حتى وإن وسوس لي الشيطان ببعض وساوسه من قبيل صعوبة الوصول إلى تلك المرحلة من العمل والى تلك الدرجة من الإيمان.

 عليّ أن أصبر وان أكون على يقين أنني سأحقق النصر على نفسي الامارة بالسوء أولا وعلى الشيطان ثانيا لأنني أقوى منه إرادة وعزيمة، ولان الله تعالى وصف الشيطان وكيده أنه كان ضعيفا.

نعم .. من الآن سأكون سلما لمن سالمكم يا مولاي يا أبا عبد الله، وحربا لكل من حاربكم، وبالأخص لنفسي الامارة بالسوء وحب الدنيا.