التكيّف الايجابي للصدمات النفسية

تعد بيئات  العمل المشحونة إحدى مسببات الندوب النفسية التي يتعرض لها الكادر الوظيفي العامل في المؤسسات، ولاشك ان تأثير تلك الندوب ليس انيا بل يمكن قياسه على المدى البعيد وهذا من شأنه ان يخلق اثارا سلبية تنعكس على الفرد وانتاجيته فضلاً عن جعل بيئة العمل طاردة للكفاءات،  وقد تتعدد صور الضغوط النفسية المسببة للصدمة النفسية التي تعمل على انتكاسة واقعية للموظف الذي قد لا يستطيع ان يتشافى منها بسهولة على المدى القريب بل يبقى قابعا تحت آثار الصدمة مما تؤول الأمور إلى تشتت الموظف وضياع بوصلته، ومن هنا نجد ان الكاتب والطبيب النفسي المختص جرانت هيلاري برينر يتحدث بمقاله المنشور في مجلة سايكولجي توداي عن الاثر الذي تحدثه الصدمات النفسية والتجارب السلبية التي تحدث لدى الافراد بصورة خاصة والمجتمعات بصورة عامة ومدى تأثيراتها وانعكاساتها على التعاملات والسلوكيات بالمجمل.

ولا شك بان بيئة العمل ليست بمنأى عن تلك الصدمات التي تحدث نتيجة سوء التخطيط من جهة وسوء القرارات من جهة اخرى, فضلا عن بقية المسائل المتعلقة في العمل سواء الاتصالات الادارية والتعاون, اذ تعمل تلك الامور على زيادة تراكم الصدمات والتي بلا شك ستسبب الضغوط التي تؤدي الى الانفجار اللامتوقع.

ومن اجل تمكين الموظف والفرد على التكيف الايجابي لتلك الصدمات التي يتعرض لها خلال اوقات العمل او خارجه وبغية الوصول في التعامل الى اعلى درجة من الحكمة والتعامل الايجابي لاسيما التعامل الاخلاقي والقيمي, يطرح الكاتب جرانت هيلاري بعض الخطوات والحلول التي نوصفها بانها سباعية الصدمات للوصول في طريق التعافي, اذ بين هيلاري ان اولى الخطوات هي

 بروز الظلم

ويعني بها ان الافراد الذين قد يتعرضون لسوء المعاملة او الاساءة او الاهمال او الخيانة هم اكثر الافراد عرضة للتكيُّف إذ تتضخم المظالم التي تحصل معهم غالبًا عبر إعادة تنشيط الصدمة غير المعالجة, اذ تؤدي صدمة الخيانة إلى تفاقم الحساسية تجاه الإيذاء، وهو ما يؤدي إلى تعميق حالة عدم الثقة، وحين تكون الخيانة قادمة من أشخاصٍ مقربين مثل أفراد الأسرة أو أصدقاء العائلة، يُضاف انتهاك الثقة للصدمة نفسها.

التطور الاخلاقي

اما الامر الثاني الذي يضمنه هيلاري حول موضوع الصدمات هو التطور الاخلاقي, اذ عمل على ربطه بتأخر تطوير ذلك الجانب المهم مما يزيد من مخاطر اتخاذ قرارات تكون بمثابة تدمير للذات والصورة المتعارف عليها لدى الاخرين لاسيما من الناحية الاخلاقية.

ويذكر الكاتب بنموذج كولبيرج بمستوياته الثلاث ومراحله الستة:

المستوى الأول: المستوى قبل التقليدي:

مرحلة 1: العقاب/الطاعة.

مرحلة 2: التوجه التفردي الغائي التبادلي.

المستوى الثاني: المستوى التقليدي:

مرحلة 3: توجه الولد الجيد.

مرحلة 4: توجه القانون والنظام.

المستوى الثالث: المستوى ما بعد التقليدي:

مرحلة 5: توجه العقد الاجتماعي.

مرحلة 6: التوجه للمبادئ الأخلاقية العالمية.

ويبين هيلاري بانه ليس غريبًا أن تتركنا الصدمات المؤثرة في النمو في حالة متأرجحة بين المرحلة 1 والمرحلة 2، ما يطرح تحديات في التنقل ضمن المستويات الغامضة أخلاقيًّا المميزة لحياة البالغين، وهو ما يأتي من الجمود الأخلاقي أو التبسيط المفرط. يصعبُ متابعة الحياة بسلاسة دون القدرة على المضي قدمًا في اتخاذ القرارات الصعبة، أو الوصول لتسويات في مفاوضاتنا مع الآخرين.

التركيز على التهديد

يعد هذا الامر من الطرق التي تؤثر على السلوك الاخلاقي لاسيما فيما يتعلق بالحالات العاطفية, وعلى المستوى الاساسي, اذ تتشابك احداث الحياة الحالية مع المشاعر العالقة في الماضي او غير المحلولة, ويخضع الامر الى التحليل الشخصي من قبل الفرد مما يشكل ذلك تهديدا حقيقيا على السلوك الاخلاقي على سبيل المثال، قد يتلقى المرء رسالةً عادية بوصفها إهانةً مبطنة، أو قد ينظر إلى تعليقات بريئة بوصفها مُهدِّدة، وهكذا تتعزز حالة الشعور بالتهديد والميل لرؤيته.

وهذا الامر يصعب من اتخاذ القرارات التكيفية التي تقلل من الاثر الذي قد تحدثه الصدمة, وتسبب الكثير من السلبيات سواء بانعدام الثقة بالأخرين او الشعور بالعزلة والاهانة الاخلاقية.

وضعية البطل الخارق

تحدث الصدمات ردود فعل غير متوقعة لدى الفرد مما تشعره بانه بموقف يجب ان يدافع عنه حتى وان كان الموقف لا يتطلب الحدية او التضاد مع الاخرين, وهذا الامر يكون بسبب الغضب الاخلاقي والتشوه الناتج من الصدمات الناتجة من المواقف التي مر بها, وهذا الامر بلا شك يودي لنتائج مؤسفة في بعض الاحيان نتيجة عدم توقع ردة الفعل من الطرف الاخر مما تؤول الامور الى مالا يحمد عقباها.

الرادار الاخلاقي

قد تسبب الصدمة النفسية اضطرابا بالسلوك الاخلاقي بسبب عدم قدرتنا على التكيف مع الاثار الناتجة عن الصدمة مما تسبب انعكاسا يلمسه الاخرين نتيجة السلوك المتبع معهم, وهذا بسبب عدم توقع النوايا وسوء الظن الذي يحدث نتيجة الصدمة, لذا فالانتباه الواعي لتلك السلوكيات يمكن ان يكون التكيف ايجابيا مع الكثير من الحالات التي يتعرض لها الفرد.

تغيير الاحساس بما هو ممكن

يذهب الكاتب الى ان الصدمات قد تسبب تغييرا كبيرا يطرا على الفرد نتيجة الاحداث التي يمر بها اذ يبدو العالم مختلف له, وهذا الامر يطبق على من يمر بتجارب معينة اذ تتغير صورته الذاتية عن العالم وعن الاخرين, وقد ينبع ذلك من اختلاف تجارب الحياة.

التعامل مع النفس

يؤكد الكاتب على اهمية الاهتمام بالذات, اذ يكون الشخص المتعرض للصدمة قليل الاهتمام بالذات بسبب الاثر النفسي الذي احدثته وهذا الامر يتسبب بالكثير من الاثار الذي تقلل من الذات الشخصية للفرد, وهذا الامر يدفعه الى الدفاع عن الاخرين بقوة بسبب ما تعرض له.

اعتبارات اخرى

الصدمات التي يتعرض لها الافراد ستؤثر بشكل مباشر ليس فقط على النفسية بل على طريقة التفكير والمشاعر والسلوك المعنوي والاخلاقي, اذ يضرب مثالًا على ذلك خياري السكوت المطلق بسبب الخوف، أو إطلاق العنان للغضب المبرر أخلاقيًّا. وفي كثيرٍ من الحالات لا تكون هذه الخيارات مرنة تكيفيًّا, ويذهب الكاتب بمقاله على التوكيد بان هناك تغييرات ايجابية قد تحدث بسبب التجارب المؤلمة وهذا الامر يحدث بسبب حكمة ونضج اكبر بسبب استشعاره ازاء الامور التي تحدث والطريقة التي يتم التعامل معها.

اعداد: علي الهاشمي