السيد الدكتور محمد علي بحر العلوم: يبدأ التغيير بتبني خطة ممنهجة متكاملة من الادارة العليا واصحاب القرار

حوار: علي الهاشمي

هل يمكن توظيف الواقع الحوزوي في بناء مجتمعا متنوعا؟ يتساءل بعض المهتمين, وهل يستطيع الباحث العراقي ان يعالج الظواهر المجتمعية ويضع الحلول لمعالجة التطرف الديني؟ يستفهم بعض المراقبين, هذه الاسئلة وغيرها الكثير تم تطرحها على الامين العام لمؤسسة بحر العلوم الخيرية السيد الدكتور محمد علي بحر العلوم في تفاصيل الحوار التالي:

 

من المعروف ان الجوائز لها اثار في النفوس فهل كان لجائزة بحر العلوم للإبداع اثر على المجتمع العراقي؟

 جائزة بحر العلوم للأبداع حديثة النشأة، حيث أسست منذ اربع سنوات، ويقترن اطلاقها بذكرى وفاة المرحوم العلامة السيد محمد بحر العلوم، حيث كانت من ضمن نشاطاته الدائمة دعم التعليم وضرورة الرقي به بما يناسب مدينة العلم النجف الأشرف، وخلال هذه الفترة القصيرة استطعنا ان نلمس رغبة الباحثين واقبالهم عليها من خلال عدد البحوث المشاركة وتنوع المناطق التي شاركوا منها، فإنه يدل على رغبة المجتمع العلمي بهكذا مشاريع تدفع نحو الابداع والتجديد، وخصوصا عندما تصدر من مؤسسة خاصة في النجف الأشرف ليكون دعم مثل هكذا مشاريع له دلالاته الخاصة التي لا تخفى على احد، والعمدة في مثل هذه المشاريع هو استداماتها ورصانتها العلمية والتي حاولنا تحقيقها من خلال اللجان العلمية المختلفة التي تشارك في التقييم، والمراحل المتعددة التي تمر بها البحوث، ومحاولة اشراك اكبر عدد ممكن من الخبراء من مختلف جامعات العراق في ذلك ، وعقد ملتقى سنوي لهم للاستفادة من آرائهم ومقترحاتهم التي تثري العمل.

  وعن توسع مدى الجائزة خارج العراق بين سماحته" في السنة الثانية للجائزة طرحت الجائزة على المستوى العربي والدولي، ولاقى ذلك تجاوبا جيدا، وكانت احدى الجوائز لشخصية عربية من الأردن، لتأخذ موقعها بين الجوائز العالمية المماثلة في المستقبل ان شاء الله تعالى.

هناك دعوات لإلغاء مادة التربية الدينية في المؤسسات الاكاديمية, كيف تنظرون لهذه الدعوات, وهل تعتقدون ان هناك ضرورة لإبقاء التربية الدينية؟ واذا كنتم مع ضرورة بقاءها كيف يمكن لها ان تقدم؟

كانت لنا محاولة بلورة رؤية حول هذا الموضوع من خلال عقد عدد من الورش الخاصة بهذا الامر خلال الأعوام السابقة ، وتم عقد ورشتين شارك فيها العديد من ذوي الاختصاص من مختلف الأديان والمذاهب في العراق، والامر الذي يكاد ان يتفق عليه الجميع هو ضرورة بقاء هذه المادة في ضمن المراحل التعليمية المختلفة. مع بقاء المناطق المختلفة او المدارس المختلفة بخصوصيات الدينية الخاصة بعد التعريف بالاطار العام.

كيف يمكن النأي بمنهج التربية الدينية عن سياسات الحكومات المتعاقبة, وهل يندرج هذا التدخل في تسيس الدين لمصالح حزبية؟

  إن المشكلة التي تواجهنا اليوم في النظام التعليمي هي غياب الرؤية الواضحة لما يمكن ان يكون عليه التعليم في العراق ، وماهي الأسس التي يراد لهذا النظام ان يغذيها للطالب في المراحل المختلفة، وقد يكون ذلك ناشئا من بناء النظام التعليمي على أسس أيديولوجية خاصة طيلة العقود السابقة إبان النظام السابق ، وبعد التغيير لم تكن هناك أيديولوجية خاصة يراد توجيه المجتمع اليها، مما أدى الى غياب النظر العامة الكلية التي توجه النظام التعليمي ، فكانت نتيجته بقاء التوجهات السابقة وضياع البوصلة في هداية المجتمع نحو الأفضل والأحسن، وهذه نقطة مهمة غفل عنها القائمون على شئون التعليم في الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد التغيير. ومادة التربية الدينية هي احد النماذج لغياب تلك الرؤية العامة.

يرى البعض ضرورة تجديد الخطاب الديني, كيف تقيمون هذا المطلب؟ وهل تعتقدون ان هناك حاجة فعليه لذلك؟

الخطاب الديني يعبر عن امرين مهمين الأول : رؤية الدين للتطورات الحاصلة في الحياة العامة والتغيرات التي تعيشها المجتمعات.

الثاني: كيفية عرض الثوابت الدينية بطريقة معاصرة يفهمها المخاطب الذي يتطور مع تطور الحياة ووسائلها وآلياتها .

 وعبر التاريخ لاحظنا استجابة المؤسسة الدينية بشكل عام والحوزات العلمية التي تعتبر المرجع الأساسي لتشكل الخطاب الديني في الطائفة، وذلك من خلال مواكبة التغيرات الكبرى الحاصلة في المجتمع او العالم بشكل عام، ونتلمسه بوضوح في النشاط العلمي والثقافي الحوزوي منتصف القرن العشرين والذي كان له تأثير واضح على صعيد الداخل العراقي والخارج العربي والإسلامي والدولي،  اما الجمود على أسلوب معين ورؤية خاصة مع التغيرات الكبرى الحاصلة يؤدي على ابتعاد الناس شيئا فشيئا عن الدين، وكذلك ظهور نظريات ورؤى أخرى تبعد الناس عن الدين وأهدافه العامة .

 واعتقد ان المرحلة المعاصرة من تاريخ العراق والمنطقة والتغيرات الحاصلة في العالم جعلت هناك حاجة لهذا الامر وظهر هذا بالفعل في كيفية تعامل المرجعية الدينية في النجف الاشرف مع التغيرات السياسية في العراق والخطاب المعتدل الذي ساهم ويساهم في بناء الجمهورية العراقية الفعلية على أساس دولة المواطنة والقانون والتي تتسع لكل الاختلافات والاطياف التي تعيش في المجتمع العراقي.

يرى البعض ان الدراسات العليا  اصبحت عبئا على المجتمع بسبب غياب الاستثمار الحقيقي لتلك الطاقات؟

  الاستثمار الحقيقي يتحقق من خلال البرامج والتوجهات العامة التي تؤسس لها الدولة  ويتحقق ذلك من خلال تقوية واسناد مراكز الأبحاث والدراسات التي ترفد مؤسسات الدولة بما تحتاجه من دراسات ورؤى مستقبلية، والدراسات العليا مراحل دراسية متقدمة توفر أدوات متقدمة للباحثين في سبيل تحقيق نتائج ونظريات ورؤى جديدة للمجتمع. وهو امر لابد منه وحجره على فئات معينة وشروط صعبة يمنع من تطوير الكفاءات والخبرات .

  تجربتنا في معهد العلمين للدراسات العليا  وهو اول معهد اهلي متخصص في مرحلة الدراسات العليا في قسمي القانون والعلوم السياسية اثبتت الحاجة الماسة والتعطش الذي لدى الخريجين من اجل اكمال دراستهم في هذا المضمار ، وخصوصا عند ملاحظة عدم اتاحة الفرصة للعديد من الخريجين في العقود الماضية ولذا كان الاقبال كبيرا جدا في السنوات الأولى خصوصا مع عدم اشتراط السن، وهذا يدل على الحاجة في هذا المجال. وهنا نلاحظ ان الارتقاء الوظيفي يتم من خلال فسح المجال للموظفين ان يكملوا هذه الدراسات التي سوف تؤثر في مستوى أدائهم الإداري .

واعتقد انه جزء من تطوير الدراسات العليا هي تغيير الرؤية الحكومية للتعليم الأهلي خصوصا في هذه المرحلة المهمة، و قد يكون تلك الرؤية لها علاقة بمجمل النظر الى القطاع الخاص الذي يعاني من نقص في القوانين التي تحميه وتنهض به، وإن كان على مستوى التعليم العالي كانت هناك نهضة قوية في تأسيس الجامعات والكليات الاهلية على مستوى العراق، ولكن الامر بحاجة الى استراتيجية واضحة تعطيها نحوا من الحرية لوضع برامج علمية وبحثية تنهض بالواقع العلمي بشكل افضل.

 و من باب المثال حاولنا ان نخلق أفقا جديدا من خلال فسح المجال امام تغير التخصصات وقبول خريجي فروع علمية أخرى لأجل اكمال دراستهم في العلوم السياسية بعد ان يقضوا سنة تأهيلية يدرسون فيها المواد التي يحتاجونها في ذلك، وقد لاقت تجاوبا واسعا وتم رصد تفوق العديد من الذين أتوا من اختصاصات أخرى للتخصص في العلوم السياسية،  ولكن هذه التجربة واجهت العديد من الصعوبات الإدارية والقانونية، ولم يكتب لها الاستمرار، مع ان مسالة تغيير الاختصاص الى فروع أخرى في مراح ا لدراسة العليا امر متبع في العديد من دول العالم إلا ان ما زال في العراق يحتاج الى تشريعات وقناعات في ذلك.

هل يمكن ان يساهم الباحث العراقي في معالجة الواقع المحلي ومواجهة التطرف الديني والارهاب؟

  الباحث العراقي بشكل عام نشط ومبدع، ونجاح الكفاءات العراقية في الكثير من البلدان العربية والأجنبية دليل على ذلك، وعدم اتاحة الفرصة لظهور مثل هذه الكفاءات أدى الى هجرة العديد منها الى الخارج، كما أن المجتمع الذي اكتوى بنار التطرف والإرهاب يمكن ان يخلق الأجواء الصحية لمحاربتهما بشرط وجود رؤية وتخطيط من قبل الدولة لذلك.

هل  يمكن ان نوظف الواقع الحوزوي في صناعة مجتمع متنوع غير متناحر؟

الواقع الحوزوي له دور مؤثر في رسم الرؤى العامة ليس في العراق وحده وإنما لكل المناطق التي يوجد فيها شيعة في كيفية تطبيق مبادئ العيش المشترك مع الاخرين والانخراط في الحياة العامة والتأثير في مستقبل البلاد بشكل عام، طبيعة المجتمعات الشيعية في ارتباطها بمرجعيتها وحوزتها الدينية يجعل لهم دورا مؤثرا في رسم السلم المجتمعي وخلق البيئة الآمنة، وهذه طبيعة الحوزات العلمية على مر التاريخ وخصوصا في العراق ،والتأثيرات السياسية التي عانى من العراقيون هي التي منعت من التأثير المباشر للحوزات في المجتمع.

كيف تقيمون تجربة التعليم الإلكتروني، وهل تعتقدون انها ستعتمد مستقبلاً، و لماذا نجحت في دول وفشلت بأخرى؟

    الطرق والاليات التعليمية فيها ثغرات وعيوب، وفيها إيجابيات ونقاط مضيئة،  وتعتمد بالأساس على مدى جدية الأستاذ وحرصه على إعطاء المادة العلمية حقها، ومع ان المشافهة والحضور لها دور مهم واثار حقيقية في طلب العلم والمعرفة، فإن التواصل مع الكفاءات العلمية في مختلف البلاد وذلك من خلال التعليم الالكتروني يمكن ان يضفي قيمة علمية على الدراسات في يومنا هذا، والنجاح والفشل يعتمد على مدى توافر الوسائل المناسبة والدعم اللوجستي لتحقيق هذا الأمر وانجاحه، وتحتل طريقة الدراسة عن بعد رواجا كبيرا في العالم لما تهيئه من فرصة للعديد من الطلبة الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات أو منعتهم الظروف من السفر الى الجامعات العالمية،  وبذلك انفتحت امامهم افاقا جديدة تساهم بجد في تحسين مستواهم العلمي وادائهم الوظيفي.

من يتحمل سوء إدارة الملف التعليمي، وغياب التخطيط الاستشرافي؟

كلا السؤالين يتحمل مسئوليتها الدولة من خلال غياب الرؤية الحقيقية الفاعلة في إدارة الملف الاقتصادي وغياب التخطيط الاستشرافي للملف التعليمي، و بقاء كوادر ترفض التغيير والانفتاح والخروج عما اعتادت عليه طيلة عقود من الزمان أدى الى ضياع العديد من الفرص ومرور الزمان من دون الاستفادة منه بشكل جيد.