كفالة اليتيم طريق استقرار وبناء

دلت كثير من الآيات المباركة والأحاديث الشريفة على أهمية كفالة اليتيم والوقوف الى جنبه لما لها من اجر وثواب كبير في الدنيا والآخرة، فضلا عن إنقاذ اليتيم من الضياع في الدنيا، ومساعدته في بناء حياة مستقرة له، مما قد يخلق حالة مجتمعية متصفة بالمحبة والتعاون وبالتالي سواد حالة الاستقرار.

مشكلات نفسية

ماذا لو ترك اليتيم بلا كفالة أو تبني أو مساعدة أو اهتمام ؟ وهل المتضرر الوحيد هو نفسه أم أن المضار تعم على المجتمع ككل؟

قد تكون هذه التساؤلات من بين الأسئلة المهمة التي تتبادر الى الذهن والتي أجاب عنها أستاذ علم النفس الإكلينيكى ورئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس الدكتور جمال شفيق أحمد في مقال له منشور على موقع (اليوم السابع) تحدث فيه عن آثار الحرمان من الأبوين قائلا" تلك الآثار النفسية الناتجة عن الحرمان من الرعاية الوالدية كالآتى:

1 – إن تعرض الأطفال في بداية حياتهم المبكرة للحرمان من الأم أو الأب أو كليهما يؤدى إلى إصابتهم بحالات من الاكتئاب، وإلى ضعف علاقتهم الاجتماعية مع الآخريـن، وربما يصل الأمر إلى جنوح بعضهم.

2 – شعور دفين لدى هؤلاء الأطفال بالحرمان الاجتماعي والعاطفي.

3 – ارتفاع مستوى الشعور بالضغوط النفسية (وانخفاض مفهوم الذات).

4 – كثرة الوقوع "فريسة" للاضطرابات النفسية والسلوكية والتي من أهم مظاهرها التبلد الانفعالي، نقص التركيز، مص الأصابع، اضطرابات النوم والسلوك العدواني وضعف الثقة بالنفس والشعـــور بالوحدة النفسية.

5- فقدان الأمل في الحياة مع نظرة تشاؤم تغلب على التفكير في الغد.

6 – انخفاض مستوى التحصيل الدراسي.

7 – سرعة الانفعال والاستثارة وحدوث نوبات من الغضب والعناد.

8 – الاتكالية على الآخرين بدرجة كبيرة.

9 – الشك والخوف وعدم الاطمئنان والصراعات النفسية الداخلية.

آثار كفالة اليتيم على المجتمع

إن فقدان اليتيم ذويه قد يجعل منه غير قادر على إدارة أمور حياته، فيكون آنذاك بحاجة كبيرة إلى من يقف لجانبه ويساعده حتى يشد أزره , وهذا الأمر تناوله مقال بعنوان (كفالة اليتيم ودور المجتمع) نشر في موقع(موضوع) ولم تتم الإشارة إلى كاتبه الذي بين فيه أن: اليتيم يحتاج إلى من يقف بجانبه، ويقوم على تربيته وتنشئته تنشئة صالحة، ويأخذ بيده حتى يبلغ ويشتد عوده، وتقوى شوكته، فيصبح قادرًا على الاهتمام بنفسه، ورعاية شؤونه بنفسه، أما إذا لم يقم أحد من أصحاب الخير والمعروف برعاية هذا اليتيم والاهتمام به، فإنه سيتعرض لخطر الهلاك والضياع، كما سيتعرض لخطر الانحراف، وسيشكل خطرًا على المجتمع، وإذا كان له مال، فإنه بلا شك سيضيع منه، أو يُستولى عليه من قِبَل المجرمين، ومن هنا جاءت الأهمية الكبيرة لكفالة اليتيم، فكفالة اليتيم تساهم في حماية اليتيم ورعايته وتربيته، والحفاظ عليه وعلى أمواله، وهذه الأمور ستنعكس إيجابيًا على المجتمع، حيث ستسهم كفالة اليتيم في حماية المجتمع والحفاظ عليه، وستسهم في نشر الود والمحبة والتكافل بين أبناء هذا المجتمع.

أما موقع (محتوى) فنشر موضوعا بعنوان (أثر كفالة اليتيم على الفرد والمجتمع) لم يشر فيه إلى كاتبه كذلك وأوضح فيه أن" كفالة اليتيم تمثل أهمية كبيرة في الحياة كما أنها تعود على الفرد والمجتمع بالخير والاستقرار ومن أبرز أثارها الإيجابية، سيادة جو من المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع الواحد والحد من انتشار الجريمة حيث تضمن كفالة اليتيم تنشئة جيل صالح خالي من المشاكل والعقد النفسية, واستقرار المجتمع وزيادة معدلات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, والحد من ظاهرة أطفال الشوارع وما لها من خطورة كبيرة في تدمير المجتمع وعرقلة مسيرته".

ما الذي ينبغي أن يفكّر فيه اليتيم؟

مما لا شك فيه أن اليتيم تنتابه الكثير من الأفكار والتأملات الآنية والمستقبلية التي قد يكون لها تأثير معين على حالته النفسية والحياتية العامة، وفي هذا المضمون يقول الشيخ حسن الصفار في مقال نشر على موقعه الالكتروني " إن الشعور الذي ينتاب اليتيم قد لا يكون مجرد شعور متخيل، بل واقع ملموس يعيشه ويعاني آثاره، غير أن هذا الواقع لا يصح الاستسلام والإذعان له، بل ينبغي مواجهته على الصعيدين النفسي والعملي".

أولاً: على اليتيم أن يسلّم بأنّ هذه الحالة هي قضاء وقدر إلهي، وهي للبشر امتحان وابتلاء من الله جل شأنه, ابتلاء لليتيم في كيفية تقبله لمشيئة الله تعالى، فهل يرضى ويسلّم لإرادة الله؟ أم يحمل روح الرفض والاعتراض؟ وابتلاء للناس في كيفية تعاملهم مع هذا اليتيم، فهل يقومون بما حثّهم الله عليه ندباً أو أوجبه فرضاً؟!

اذاً لا ينبغي لليتيم أن يشعر بالنقص في قيمته عند ربه فاليتم لا يدل على الدونية وضعة المقام عند الله, حيث يذكر التاريخ أن كثيراً من أولياء الله الصالحين كانوا أيتاماً، فنبي الله إبراهيم  ولد يتيماً مات أبوه وهو في بطن أمه، ثم عاش في بيت عمه آزر وهو المشار إليه في الآية الكريمة ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾

ولأن عمه آزر قد ربّاه أطلق عليه أنه أبوه، وإلاّ فهو عمه، حيث لا يكون المشرك عابد الصنم أباً للنبي، كما هو قول أئمة أهل البيت ، ويؤيدهم في ذلك كثير من علماء أهل السنة. يقول الآلوسي: (والذي عوّل عليه الجم الغفير من أهل السنة أن آزر لم يكن والد إبراهيم ، وادعوا أنه ليس في آباء النبي  كافر أصلاً لقولـه :« لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات والمشركون نجس».

وكذلك نبي الله موسى الذي لا تجد دوراً لأبيه في القرآن أو نصوص التاريخ عند ولادته ونشأته، رغم المخاطر التي حفت بأمه أثناء ولادته، والملابسات التي اكتنفت نشأته.

ومن الواضح أن نبي الله عيسى  ولد من غير أب، أما نبينا الأكرم محمد ، وهو أفضل الخلق، وأعزهم على الله، وأحبهم إليه، فقد مات أبوه وهو في بطن أمه، وماتت أمه وعمره ست سنوات، ثم عاش في كفالة جده عبد المطلب، ومن بعده عمه أبي طالب.

ثانياً: على اليتيم أن يفجر طاقاته وكفاءاته، حتى يحيل النقص كمالاً، ويصنع من الهمّ والمعاناة طاقة خلاّقة، وليس ذلك بعيداً فكثيرا ما تكون حالة الضعف والقصور دافعة نحو البذل والعطاء، فكم من يتيم معدم بزّ أقرانه من أبناء الأغنياء الموفورين،... إذاً علينا أن نشعر اليتيم أن بإمكانه أن يتفوق، ويصل إلى مراتب عالية إذا توجه إلى ذلك، وفجّر طاقاته الكامنة، وبلور قدراته ومواهبه، فاليتم لا يعدو أن يكون امتحاناً وابتلاءاً من الله سبحانه وتعالى لليتيم وللناس من حوله.

اعداد/ محمود المسعودي